محارم ورقية

صحيفة الدستور، 16-10-2003

واقر الكونغرس الاميركي قانون محاسبة سوريا، انتصر اللوبي اليهودي الذي كان وراء القانون منذ طرحه وحتى سائر مراحل مناقشاته وتقلبات الاوضاع حوله ….

لكن شيئا حول لبنان لم يرد فيه.

غريب؟؟ الم يكن جماعة من يسمون انفسهم المعارضة اللبنانية في طليعة من ساهم في اقناع الكونغرس والراي العام بضرورته؟

الم يشكل هؤلاء جمعيتين بالتعاون مع اليهود والصهاينة في ولايتين مختلفتين، وينفذون معا حملة اعلامية نشطة لاجل ذلك؟

الم يكلف ميشال عون نفسه عناء السفر، متخليا عن اصدقائه الفرنسيين، وعناء الخطابة مرتين امام النواب الاميركيين؟

الم يقبل ان يضع نفسه في موقف مخز في الجلسة الثانية التي كان يفترض ان تكون جلسة استماع تسجل في محاضر الكونغرس، لكن رئيس لجنة العلاقات الخارجية رفض اعتبارها كذلك بل ورفض حضورها، معتبرا اياها لا تعبر عن وجهة نظر موضوعية، فتحولت الى طاولة مستديرة جلس اليها العماد بين مجموعة من النواب اليهود المتشددين في صهيونيتهم، ليلقي كلمة بانكليزية ركيكة اتهم فيها بلاده قبل سوريا بالارهاب تسع مرات في صفحة واحدة؟

هذا الرجل الذي كان يعتبر نفسه يوما رئيسا للبنان، كل لبنان، يتهم الحركة التي حررت ارض لبنان بالارهاب، ويدعو الى تفكيكها. لماذا ؟ ما الذي اساء به حزب الله والمقاومة اللبنانية الى عون وجماعته؟ بل وحتى الى المسيحيين في الجنوب بعد تحريره؟

لكن، الم تنشر وسائل الاعلام الغربية تفاصيل الصفقة بين جماعة الانعزال اللبناني والصهاينة، والتي تلخص بـ : طالبوا لنا بخروج القوات السورية من لبنان، نطالب لكم بتفكيك حزب الله ونزع سلاحه ؟

وقام جماعتنا بالواجب وطالبوا بما طلب منهم المطالبة به، متشحين بنموذج المعارضة العراقية، مصدقين بسذاجة ان الاميركيين احتلوا العراق وخلعوا صدام حسين كرمى لعيني هذه المعارضة النائمة على الذراع الصهيونية الاميركية، لكن الاميركيين والصهاينة باعوهم واكلوا بثمنهم مكاسب سياسية اخرى على اكثر من صعيد واولها القرار المتعلق بالعراق.

ولكن اهي المرة الاولى؟

وان لم تكن فلماذا لا يرتدع هؤلاء المجانين السذج، المجرمون بحق انفسهم وبحق امتهم؟

في كتاب بعنوان: »حوار طويل« صدر عام 1989 قال شيمون بيريز: »افهمت امين الجميل وداني شمعون باننا لن نقاتل عنهم وان عليهم ان يخوضوا الحرب ضد الفلسطينيين بانفسهم، وكررت ذلك لبشير اكثر من مرة«.

وعندما قاتل بشير ووصل الى السلطة، واراد ان يكون رئيسا لكل لبنان غضب منه بيغن، مما اضطره الى ان يستقل سرا طائرة عسكرية الى تل ابيب، لكن رئيس الوزراء ترك رئيس الجمهورية ينتظر ساعة قبل ان يستقبله، ليبادره: »هل نسيت اننا من صنعك؟«.

وبين القولين: لن نقاتل عنكم ، ونحن من صنعك، اعتقد الرئيس الشاب ان قتاله يعطيه الحق في ان يصدق انه صنع نفسه، فكان عقابه على هذا التصديق ما نعرف.

بشير الجميل لم يكن الا نسخة كبرى سابقة لاولئك الذين تعاملوا مع الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني، وعندما ازفت ساعة المصلحة باعهم المحتل الذي لم يعد له بهم حاجة، محارم ورقية ترمى بعد استعمالها.

بالصيغة نفسها تعامل الاميركيون الصهاينة مع جماعة المعارضة، وعلى راسهم الجنرال الرمز المعروف بسذاجته السياسية وعناده. لطخوه ورموه وقبضوا ثمنه، وظل حسابهم مع سوريا حسابا اخر، في سلوك يقول شيئا واحدا تعجز العقلية الانعزالية المريضة عن ادراكه، وهو ان هؤلاء الاعداء لا يمكن ان يروا في من يتعامل معهم ضد امته حليفا، لا يرون فيه الا عميلا بكل ما عرفه تاريخ الانسانية من نظرة الى العملاء والمتعاملين، كما انهم لا ينظرون الى هذه الامة الا كوحدة متكاملة افضل وسائل تدميرها هي عملية التدمير الذاتي عبر التجزئة، فلماذا تدفع ثمن قتال اعدائك طالما انك قادر على ان تجعل بعضهم يدمر بعضا؟

ترى كم مرة سيحتاج الانعزاليون الى الصفعات كي يتقوها؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون