قبل ايام كانت احدى الصحف البريطانية تنشر كاريكاتوراً لطوني بلير، عاريا الا من ورقة التوت، ورامسفيلد يمسك بيده قائلا: رغم انك صغير وعارٍ يا صغيري، الا انني سآخذك معي الى الحرب!
وبالامس، واثر فشل التحالف الامريكي – البريطاني في مجلس الامن، اعطي الصغير العاري، قطعة جيدة ليفصلها ثوبا يكسو به عريه، بحيث يصبح حليفا لائقا للرئيس الفارق في الصلاة، ومفيدا للوبي المسعور الذي يحيط به في الادارة الامريكية، هذا اللوبي الذي لن يروي شيء عطشه الا الحرب والدماء، حتى ولو تعارض ذلك في النهاية مع مصلحة الولايات المتحدة نفسها، لا مع الاغلبية الدولية وشرعيتها.
قطعة القماش تلك اسمها خارطة الطريق، ونسيجها من ذلك النوع المتهدل الذي لا تمسكه من هنا الا وانزلق من هناك، والوعد باطلاقها حال تسلم ابو مازن سلطاته، هو من ذلك النوع من التفصيل الذي تطلق عليه الاسواق مصطلح »يونيسايز ويونيسكس«، اي الصالح لكل المقاسات، ولكلا الجنسين.
اما توقيت هذا الاطلاق فأمر لا يخفى على ابن خمس سنوات من هذا العالم العربي، الذي ابتلي رغما عنه بأن لا يأكل خبزة الا معجونا بالسياسة. والذي عاش كما من المؤامرات منحته خبرة لم تعد تخفى عليه معها اية خدعة ذكية، فكيف بها ان كانت من نوع هذا التلويح المفضوح. ومن قبل رئيسين لا يتمتعان بالذكاء الكافي للعب على عقولنا ومشاعرنا؟
»يجب ان نقول للعالم العربي والاسلامي، يجب ان نقول للناس..«
هذا ما قاله بلير في نهاية مؤتمره الصحفي وهذا ما يلخص كل القصة.
وعندما كان الصحافيون يسألون اسئلة عملية، من النوع الذي يحول الوعد الهلامي الى حقيقة، من مثل السؤال عن الضمانات التي يمكن ان تعطى للفلسطينيين، او من مثل السؤال عن كون توقيت المبادرة مرتبطا بالحرب على العراق، او من مثل تعبير بليغ مكثف قاله احدهم: »متأخر وقليل« كان بلير يهرب بطريقة لا تحاول حتى اصطناع الاهتمام او اخفاء التهرب، لا يجيب. مع رفضه القاطع لان يقول اي شيء يخص العراق.
واما عندما استعرض المراحل فقد كان الامر بالترتيب: وقف »الارهاب« التطبيع الكامل، الاصلاحات الفلسطينية، وبعد هذه المراحل الثلاث يأتي من قبل اسرائيل الانسحاب من الاراضي التي احتلت بعد سبتمبر 2000م.
سبحان اللّه! اي انزلاق غضروفي يصيب التاريخ والجغرافيا عندما يتعلق الامر بفلسطين، فمن بعد الـ 48 الى بعد الـ 67 الى بعد الالفين، لكأنه الانزلاق المتبلاة به غضاريف ركب الانظمة العربية، التي تضع المبادرة الامريكية البريطانية على عاتقها ومسؤولية وقف الارهاب والى الابد…
اذن على الدول العربية ان تقمع الانتفاضة والمقاومة، كي تتمكن الولايات المتحدة وبريطانيا من اخفاء الشرعية على قمع وتفتيت العراق، وما بعد العراق.. علما بأن قانون محاسبة سوريا سيدرج امام الكونغرس اواخر نيسان القادم.
هذا في الوقت الذي يتراكض فيه اليهود الصهاينة في الادارة الامريكية، الى الدول المطلوب منها اتخاذ موقف في الصراع: وولفوويتش الى تركيا، ستينر وعاموس، واحدا اثر الآخر الى افريقيا، رامسفيلد الى اوروبا، لكأن المجموعة اليهودية التي تدير الامور في واشنطن لم تعد تثق حتى بمبعوث لا ينتمي اليها.
رغم ذلك كله لن نستغرب ان يركض البعض الى العظمة التافهة التي رماها لنا المعتدون، لننشغل بها، متزاحمين، مزمجرين، ريثما تنتهي الجريمة. ولا بأس عندها ان نرتمي منهكين اذ نكتشف انها مجرد عظم لا لحم عليه…