ما بعد كاسترو!

صحيفة الدستور، 20-08-2003

الرجل العملاق.. الكاريزما الاستثنائية، الصلابة الاستثنائية، والمرونة الذكية.. العينان الثاقبتان حد الاختراق الموغل في الشرايين حاملا حرارة وتهيبا واشتعالا واحتراما.. الكتلة الشامخة الثورية التي تحمل اسم فيدال كاسترو.. احتفلت قبل ايام بعيدها السابع والسبعين، لتطرح في الدوائر السياسية والاعلامية سؤالا مفاجئا عن ما بعد فيدال.

مفاجئا اجل! لكأن الجميع في هذا العالم كانوا بحاجة الى عبارة صغيرة قالها كاتب كوبي: »كاسترو ليس خالدا« بمعنى انه رجل قابل للموت، هو الذي وقف كبيرا شامخا على جزيرته الصغيرة يستعرض عبور عشرة رؤساء اميركيين، والاخطر من ذلك انه استعرض مع ذلك ايضا رحيل الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، وبقي حيث هو.

بل انه وعلى ساحة اميركا اللاتينية شهد مرحلة المد الثوري التي توهج فيها مناضلون يشبهونه او اصدقاؤه، من تشي غيفارا الى سلفادور اللندي الى غابرييل غارسيا ماركيز، وشهد مرحلة المد المتأمرك الديكتاتوري ومثله بينوشيه ومن وراءه، وشهد – وذاك هو الرهان – انتهاء العرس الاميركي، والنيو ليبرالي، »على حد تعبير نعوم تشومسكي في مؤتمر الفقراء في بورتو الليفري« ليعود اصدقاؤه وتلاميذه الى قيادة معظم دول نصف القارة الجنوبي، من شافظ في المكسيك الى لولا في البرازيل مرورا ببورتوريكو وتشيلي وغيرها وانتهاء بالباراغواي قبل ايام.

غير ان الرهان الاخطر الذي يواجهه الختيار، كما اصبح يطلق عليه في كوبا، فهو رهان انتقال البلاد الى مرحلة ما بعد الرجل الذي يتمتع في نظر الكوبيين بمشروعية تاريخية خاصة مصدرها كونه محرر الجزيرة من اليانكي، وصانع استقلالها. خاصة وان الكثيرين يرون ما يراه الكاتب بابلو دياز من »ان القوة التي تمسك كوبا هي فيدال، ولذا فان غيابه سيطلق تجمعات مصالح ورأي مختلفة لا يستطيع احد ان يتكهن باللعبة التي ستلعبها«.

واذا كان دياز يعني بذلك قوى قائمة داخل كوبا، فان القوى التي يظنها الكثيرون اخطر هي تلك التي كانت تشكل المعارضة في الخارج.

لكن المحللين الذين يدرسون الوضع بالتفصيل يصلون الى حقيقتين: الاولى ان النظام باشر بخطوات انفتاح على الصعيد الداخلي يقودها راوول كاسترو اخو الزعيم، والمرشح لخلافته.

والثانية ان المعارضة في الخارج، التي تشكل الان من الجيل الثاني الذي لم يعايش الثورة ولا يحمل احقاد الجيل الاول بات يميل الى المصالحة الوطنية والعودة.

مما يبشر بان تكون مرحلة ما بعد قائد الثورة، هي مرحلة النجاح الحقيقي لها، امام التحدي الاصعب، الذي سيكسبه الرجل حتى بعد موته.

ويبقى ان رجلين اسمرين من قارتين متباعدتين: واحد اسمه نلسون مانديلا واخر اسمه فيدال اليجاندرو كاسترو، كانا قادرين على اعطاء العالم درسا لا حصر لعبره.. حتى ولو كان احدهما يفضل القمصان المشجرة الزاهية، والاخر الزي العسكري الاخضر.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون