كي نستحق التأييد!

صحيفة الدستور، 20-05-2003

اذا كان الرئيس الاول للجمهورية الخامسة في فرنسا، قد وضع في الستينات حجر الاساس للاستقبال الذي لقيه الرئيس الحالي في الجزائر هذا العام، فان هذا الاخير قد رفع عاليا بنيان العلاقات الفرنسية، بل والاوروبية العربية عبر مواقفه الاخيرة، ليس فقط من العدوان الاميركي على العراق وانما ايضا من مجمل قضايا العالم العربي.

واذا كنا نعرف ان العلاقات الدولية لا تبنى على المشاعر والعواطف وانما على المصالح قبل كل شيء، فان من الواقعي ايضا ان ثمة مبادىء وقناعات قد تحرك احيانا، اصحاب القرار السياسي، كما تحرك الشعوب في اتخاذ مواقفهم.

جاك شيراك، وفريقه الحاكم، تحركوا عبر السنوات الرئاسية الاخيرة، بشحن المصدرين معا، لان الرؤية التي تقول بأن تصدي فرنسا لقيادة اوروبا الموحدة على طريق الاحلام الكبرى، وفي مقدمتها حلم الاستقلالية الذي يجعل منها قوة حليفة للولايات المتحدة، ولكنها ليست تابعة لها، بشكل يعيد الى المشهد العالمي التوازن الذي فقده مع القطب الواحد، هي رؤية تعيدنا الى شارل ديغول الذي قال يوما لوزيره اندريه مالرو، سيرى العالم اية قوة طاغية ستحكمه اذا ما توصل الاميركيون الى السيطرة عليه.

كما قال يوما آخر لمستشاره بول بالتا: ان حول هذا المتوسط حضارات قديمة تشترك في الحس الانساني الذي تفتقر اليه الحضارة الاميركية القائمة على نظرية المنفعة، ولذلك فان عليها ان تتحالف معا للحفاظ على هذا الحس.

مؤكد، ان هذه الرؤية الحضارية تقترن بواقع المصالح الاوروبية، والفرنسية التي لا تستطيع الفكاك من بعدها الجغرافي ومصالحها الاقتصادية.

لكن لنا ايضا، نحن العرب، اضافة الى الرؤية الحضارية المشابهة مصالح تحتاج الى اوروبا، وليس الى اي اوروبا، بل الى اوروبا مؤيدة للرؤية الديغولية – الشيراكية.

وهذا ما اثبتته احداث العدوان على العراق، وتثبته كل يوم مجريات الصراع مع الاحتلال الصهيوني، وغيرها من القضايا.

ريتشارد بيرل، كتب بوضوح ان لفرنسا ثلاثة ذنوب لا يمكن التسامح معها: موقفها من الحرب على العراق، موقفها من الشرق الاوسط، ودعواها الاستقلالية.

واذا كانت نهاية الحرب على العراق قد سجلت انتصارا اميركيا، بقيادة ادارة هي الاكثر يهودية وتصهينا في تاريخ الولايات المتحدة، فان الوضع الطبيعي هو ان تعمل واشنطن على استكمال انتصارها، بخوض معاركها الاخرى على الساحات الاخرى، وفي مقدمتها معركتها مع مرتكبي الذنوب الثلاثة التي اشار اليها بيرل.

المعركة تدار اميركيا – صهيونيا على جبهتين:

الخارجية، حيث تتم محاولات عزل فرنسا، داخل الاتحاد الاوروبي، وعن حليفتيها الاقويين: المانيا وروسيا.

والداخلية، حيث تنطلق بدايات المعركة الانتخابية التشريعية والرئاسية بتغييرات بالغة الاهمية في قيادة الحزب الاشتراكي، كرست هيمنة المؤيدين لاسرائيل ولاميركا على قيادته، وعلى رأسهم فرانسوا هولند، الذي كان يقود الحملة ضد معارضة الحكومة للحرب على العراق، ويعرب عن تأييده المطلق لاميركا واسرائيل والاطلسي.

هذه النتائج التي تحققت بستين بالمائة من اصوات الحزب، لا تجعلنا نغفل ان هناك 40% من المعارضين، اضافة الى اولئك الذين انفصلوا في بداية التسعينات بقيادة جان بيير شفينمان.

غير ان ما يجب الانتباه له، هو ان هناك شخصيات اخرى داخل حزب شيراك نفسه، تتبنى المواقف ذاتها.

وان كل ذلك يأتي مصحوبا بحملة شرسة يشنها الاعلام الاميركي على فرنسا جاك شيراك.

وصولا الى دحر التيار الذي حقق اغلبية لم يحققها اي رئيس فرنسي في السابق، واحلال مؤيدي اميركا واسرائيل مكانه.

الحكومات العربية لا يرجى منها الكثير، فهل يمكن ان تفعل المنظمات والاحزاب والجماعات شيئا، وفي فرنسا جالية من ستة ملايين مسلم وعربي؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون