قرارالموت: هل يحق للانسان ان يقرر موته؟

صحيفة الدستور، 14-10-2003

الفرنسيون جميعا منشغلون بهذا السؤال منذ اسبوعين، يخصصون له اكبر المساحات في وسائل اعلامهم، لكأن هؤلاء الناس انتهوا من شؤون الحياة فراحوا يتقاتلون على خيار الموت.

سؤال غريب، والاغرب هو مدى اختلاف السياقت التي يطرح ضمنها، ففي حين يكون اول ما يتبادر للذهن العربي، او عند طرحه عبر الحديث عن العرب هو مسالة العمليات الاستشهادية التي حركته بشدة منذ سلسلة جنوب لبنان، نرى هؤلاء الاوروبيون يختلفون حول ما اذا كان للانسان الحق في ان يقرر الموت، وان يطلب من اهله او من اطبائه او ممرضيه ان يساعدوه على ذلك.

المسالة كبيرة اكبر من مجرد الحق في خيار، اكبر من مجرد الرغبة في الحياة او الموت، انها قضية نتاج الحياة المادية التي الغت قيم الدين وفكرة ارتباط الروح بالله وجعلت من الانسان نهاية لا مرجع لها الا ذاتها،لكنه ايضا، وفي بعد رمزي دلالي عميق يطرح سؤالا كبيرا : لماذا يموتون، ولماذا نموت نحن؟

لماذا يحركهم الاحساس بلا جدوى الحياة ولماذا يحركنا الايمان بجدوى الموت؟

لماذا يموت شبابنا اختيارا ليؤمنوا الحياة لمن بعدهم، ويريد هؤلاء اختيار الموت ليهربوا من وحدتهم؟

لماذا يموت الفرد عندنا لاجل الكل ويريد هذا الفرد هنا ان يموت لانه لم يعد هناك كل، لان شيخوخته اخرجته من دائرة الكل الى دائرةعزل ووحدة لا طاقة له على احتمالهما؟

لماذا يموت عندنا الشباب لان شبابهم حقل شجاعة ويموت هنا الكهول والشيوخ لا ن لا علاج لعجزهم الا الهروب؟

اشياء كثيرة وعميقة، منها تعمق الحس الفردي والمادي، ومنها ما نتج عن ذلك من انهيار الروابط والقيم الاسرية والاحتماعية والانسانية، فالجدل القائم لا يقتصر على مناقشة رغبة مريض فقد الامل في الشفاء وفقد القدررة على تحمل الالم، في وضع حد لحياته لاجل الخلاص، بل ويتناول نسبة المحاولات الانتحارية العالية جدا بين المسنين، اذ بلغت هذه النسبة بين صفوف من تجاوزوا الخامسة والستين اعلى نسبة في اوروبا، فمن بين كل مئة الف مواطن يقدم اربعة واربعون عجوزا على الانتحار.

اهو الشعور بالوحدة في مجتمع يعيش فيه اكثر ناسه وحيدين؟ ام هو الشعور باللاجدوى في مجتمع يقيم الجدوى بالمردود المادي؟ ام هو الشعور بالياس في مجتمع افراحه منقوصة الانسانية؟

والغريب ان النسبة اكثر ارتفاعا بين الرجال منها بين النساء، كما تقول الاحصاءات.

ام هو نقص الحس الانساني في مجتمع يعيش تناقضا غريبا من نوعه، ففي حين تقوم قوانينه وتشريعاته وتدابيره الادارية على اعلى واعمق ما في المبادىء الانسانية، وتحرص الدولة فيه بمختلف اجهزتها على ترسيخ مفهوم الانسنة سواء من حيث الحترام الانسان او صيانة حقوقه،- نجد ان هذا الحس الانساني يغيب عن اجواء علاقات الناس التلقائية بعضهم ببعض، يدءا من العلاقات الاسرية، داخل الاسرة الضيقة، ( ولا كلام عن الاسرة الممتدة ) مما يدفع الى السؤال : ترى هذا الحرص الدقيق والملح من الدولة هو البديل ام السبب، بمعنى هل ان الدولة تفعل ذلك لانها تعرف ان الافراد لن يفعلوه؟ ام ان هؤلاء يعتمدون على ان الدولة تقوم بالواجب فينصرفون عنه؟

ولكن… اين المشاعر والعواطف والالتزام؟ اين بركة الكبير وذلك القوس الجميل الممتد بينه وبين الحفيد من فوق راس الاب؟ اين الوفاء الجميل والحاجة المتبادلة الى الحضن؟

الدولة تعطيك الحقوق والامان المادي والصحي، فهل بامكانها ان تعطيك الحب، الدفء، العزاء….. ما يصنع محبة الحياة؟

تلك المحبة المتدفقة الثرة التي تجعل واحدا يموت لا كرها بذاته بل حبا بالكل.

حبا ببلاد نكون اغبياء ان لم نحبها كما هي، بمعنى ان نسعى الى تطويرها نطلاقا مما هي عليه لا مما نقلده لدى هذا الغرب.

حبا يجعلنا نرفض ان نجمدها في اخطائها، ونرفض ان نجردها من ميزاتها

نرفض ان نرمي الطفل مع ماء الحمام ونرفض الا نغسله ونرمي اوساخه مع مائها كل يوم.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون