واحد من اشهر ابيات الشعر الفرنسي، تحول الى مثال شائع من ذلك النوع الذي لا تحتاج لاكماله كي يفهمه اي مطلع على الثقافة الفرنسية، خاصة وان كلمة الاسباب او المبررات وكلمة العقل هما في هذه اللغة كلمة واحدة، مما يشكل طباقا يخلق ايقاعا موسيقيا خاصا.
فالعقل يقول ان سنة الحياة هي ان تنفصل عنك ابنتك، عند سن معين، لتصبح شريكة رجل ما، وعضوا في اسرة اخرى.
لكن للقلب اسبابه التي لن تفهم العقل ولا هو يفهمها..
وكيف يفهم القلب، القائم – لحكمة طبيعية – في جوار قريب جدا من الرحم، ان ثمة انسلاخا جديدا، غير ذاك الذي انهى تسعة اشهر الحمل، انسلاخا عن الرحم المعنوي النفسي هذه المرة، يأتي بعد مئات الاشهر والاف الليالي من الالتحام.
وهو يفهم -دون دواعي العقل – ان الرحم ليس كيسا ولا عضلة، ولا مجرد اداة تؤهل المرأة لرجل يتكفلها، اجتماعيا وحياتيا.. ان هو الا وسيلة الله في صنع الحياة، وحضن اتصال النبض بالنبض، والدم بالدم، وحبل السرة بنسغ الحياة، ودفء يستبطن الحنان حماية حتى شهقة الحياة!
فهل كان عبثا تقديس صلة الرحم؟
هل كان عبثا ان الانسانية قد اتجهت في اول مغامرة لها للتأليه الى تقديس الام الكبرى، وقيمة الخصب؟
وهل هي المفارقة، ان يقول العقل هنا ان زواج البنت هو تكريس جديد لهذه القيمة الطبيعية، اذن فرح..
ويقول القلب انه انسلاخ صعب، اذن الم..
لكأنها الحياة، كأس الليموناضة الغريب الذي يذيب السكر في الحامض الحارق، وكلاهما في مائها.
فرح، ان يخرج من بيتك بيت، وفرح اكبر ان يكون هذا الخروج متوجا بالحب والرضى..
ولكن.. الن تخرج ايضا، مع ملابس ابنتك، وكتبها، واشيائها، والعابها المحفوظة ذكرى لطفولتها الاولى، قطعة من قلبك، الذي لن ينفعه العقل.؟
أيمكن الا يترك فراغ سريرها ودولابها، وادراجها، وكرسيها على المائدة، مكانها عند قهوة الصباح او العصر، غياب ضجيجها ولمساتها، حنانها ورعونة شبابها، مواعيد صحوتها ونومها وخروجها ودخولها، فراغا وغيابا تحتاج الى وقت كي تتأقلم عليه؟
ملعون هذا القلب.. الذي يقول لنفسه مرارا، ان بابا ينغلق على زوجين عاشقين هو نعمة، مثلها انفتاح باب البيت عن ابن جديد، يحتل فجأة في القلب مكانه الى جانب الابناء الاخرين، وان زواج الابناء لأم بدأت امومتها صغيرة، ليس النهاية، وانما فرصة بداية الحياة من جديد، وان الصبية التي كانت لها اسرة اصبح لها اسرتان، وان… وان…
ملعون لانه لا يهتدي الى فصل هذا الفرح عن ذاك الالم. فينشر جناحيه وينشر دموعه معا..
ملعون هو القلب، الذي لا يفهم حجج العقل.. ومسكين هو العقل الذي لا يفهم اسباب القلب.
وبينهما مقولة جبران:
»اولادكم هي السهام التي تطلقها الحياة من على اقواسكم«
ليس لنا خيار التخلي عن قدر القوس، وواجب شحذ السهم والتسديد الصائب، ولا عن قدر انطلاق السهم الى فضاءات اخرى..