حتى برامج الاستنساخ تبدو وكأنها تعمل ضمن الآلة الاعلامية الاميركية.
فمع ارتفاع دقات العد العكسي لغزو العراق، خرجت علينا سيدة شقراء تعتبر زعيمة فرقة مشعوذة لا يعرف أصلها، لتبلغنا بولادة اول طفلة مستنسخة في اميركا، ولتعلن عن برنامج دقيق لتفقيس عدد من الاطفال المشابهين في اوروبا وآسيا، خلال شهري كانون الثاني وشباط القادمين.
مفارقة ان يكون هذان الشهران هما الموعد المتوقع للعدوان الاميركي على العراق. ومفارقة أخرى ان يأتي تنفيذ هذا الاختراع العلمي غير المسبوق واعلان التنفيذ، على يد ولسان فرقة دينية مشعوذة تدعي ايماناً غريباً مفاده ان البشر قد صنعوا قبل خمسة وعشرين الف سنة في مختبرات على كوكب آخر، وعلى يد مخلوقات ذلك الكوكب، ثم صدروا الى الأرض.
والآن جاء دور مخلوقات كوكب الارض، اي نحن، لنقتدي بهم او نرتقي الى مصافهم. وسيكون بامكان من ينتمون الى تلك المخلوقات، ويؤمنون بها أن يتواصلوا معها ويتوصلوا الى انجازاتها.
ليست المهم في هذه الحكاية، ان نغوص في مناقشة ادعاءات الشعوذة هذه، لأن ذلك هو المقصود بالتحديد.
مقصود أن يهب المتدينون من مسيحيين ومسلمين والمؤسسات الدينية من الفاتيكان الى الأزهر الى النجف الى.. الى .. للتصدي الى هذا التجديف، وبذلك يتعالى غبار وقرقعة ضجة مفتعلة تشغل هؤلاء عن العدوان – المجزرة المنتظرة، وبدلاً من أن نتوقع بيانات ضد الجريمة الاميركية، سنجدنا امام كم من البيانات والمناقشات والفتاوى حول الاطفال المستنسخين.
من ناحية ثانية، كون هذه القضية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية الخلق، فسنجد النقاش منصباً بشكل رئيسي على سفر التكوين، وفيه ما تتفق عليه المسيحية والاسلام مع اليهودية.
وبذلك سيكون هذا النقاش مدخلاً للتأكيد على علاقة الدينين الاساسيين باليهودية وباليهود. لكن أحداً لن يقول في مجال التدقيق التاريخي، ان اسطورة التكوين البابلية، التي تسبق توراة اليهود بآلاف السنين، قد قدمت صياغة اولى اصلية، طابقها تماماً ما جاء بعدها.
ان في ذلك دليلاً دافعاً على أن هذه الحضارة التي تتعرض للغزو والتدمير، قد شكلت، ما بين نهرين عظيمين، مهد الحضارة الانسانية سواء في تطلعاتها الروحية أم المادية. مما يجعل من اختصارها في حوض نفط ترجمة مرة، مرة، لعصر اميركي استهلاكي، لا يقر من القيم إلاّ ما هو صالح للبيع والشراء، ولا يعلي قانوناً وضعياً كان أم طبيعياً، فوق قانون السوق، ولا يقيم وزناً لعمق التاريخ او لأقدمية الشعوب في بناء صرح الحضارة الانسانية.
ولعل من الترجمات المرة الأخرى لهذا العصر ولمفاهيمه، ان الغموض الذي ما يزال يحيط بوضع هؤلاء الأطفال المستنسخين انفسهم، صحياً ونفسياً بل وحتى بقدرتهم على الحياة، يجعل من عملية استنساخهم بحد ذاتها عملاً لا انسانياً بكل ما تعنيه الكلمة، يحول الكائن البشري الذي اجلت الأديان والفلسفات قيمته وقدست روحه، أقل من فأر اختبار.
بل ان امكانية تعرض الستة الذين اعلن عن استنساخهم خلال الشهرين القادمين، للموت بعد عذاب، لن يعني شيئاً في الميزان المادي، اكثر من اضافة ست ضحايا اطفال الى آلاف الاطفال الذين يسقطون سنوياً نتيجة حصار العراق، او الى مئات آلاف الضحايا الذين يتوقع سقوطهم في الحرب على العراق. وليكن تسجيل هؤلاء الضحايا المستنسخين على قائمة الحرب الاعلامية، او تحت بند غبار التمويه والتغطية.