عشرة عبيد صغار!

صحيفة الدستور، 26-01-2003

اهو فعل امر شبيه بروايات اغاثا كريستي، كما رآه احد المعلقين السياسيين الغربيين؟

ومن هو في هذه الحال الروائي البارع الذي ينسج شبكة بوليسية مذهلة من الحيرة والاثارة والمفاجآت حول جريمة هي وحدها العنصر الواضح في الحبكة؟

قد تكون هناك اوجه شبه كثيرة بين ما يحصل في العراق وحوله وبين تلك الروايات التي شغلت العالم، فمن لم يقرأها شاهدها افلاما او مسلسلات تلفزيونية. ومن هذه الزاوية تحضرني واحدة منها حولت الى مسلسل بعنوان: »عشرة عبيد صغار«.

قرأت الكثير لاغاثا كريستي، وشاهدت الكثير، لكن هذا العمل هو الذي قفز الى ذهني بمجرد ان قرأت التعليق التشبيه، ولا ادري لماذا.

»عشرة عبيد صغار« يحمل جميع خصائص اعمال كريستي: جريمة، عددا من المتهمين او المشكوك بامرهم، محققين مفتشين، سلسلة من المفاجآت تشغل وقتا طويلا من الترقب وتذكي نار الاثارة، وكلما تشكل توقع وتطور حتى بدا يقترب من اليقين والكشف، سقط بسقوط المتهم ضحية للمجرم المجهول، ليبدأ من جديد تجمع الشكوك حول متهم جديد، وهكذا، الى ان يقتل الاشخاص العشرة الذين اوجدهم القدر معا على جزيرة واحدة. وجعلهم يعيشون اجواء جريمة تجعل كلا منهم ينظر الى الآخرب اتهام وشك وريبة، ويعيش رعب انتظار دوره، فيما المجرم الحقيقي يتفرج عليهم، ويحبك مصيرهم هازئا.

اما العنوان: عشرة عبيد صغار، فلأن تمثالا اسود صغيرا، كان يوجد على المدفأة كلما قتل فرد جديد من المجموعة، ليزيد من حالة الرعب والشك.

واخيرا تأتي – كما في جميع اعمال كريستي، النهاية المفاجأة، غير المتوقعة.

هل كان المحلل الغربي منتبها الى جميع وجوه الشبه، وهو يرفض ان تكون المسألة العراقية قصة من قصص اغاثا كريستي؟

وهل خطرت بباله هذه القصة بالذات؟

واذا كانت الروائية الانكلو ساكسونية قد ارادت ان ترمز بتماثيلها الصغيرة السوداء، الى ان الناس عبيد صغار للقدر، وبحشرها شخوصها العشرة على جزيرة واحدة معزولة، بدائرة الوجود البشري المطوق المحاصر بهذا القدر.. فاننا نحن، وفي حال العراق لا نحتاج الى الترميز ولا الى فك احاجيه.

لكننا ورغم وضوح العناصر والمعطيات نجدنا تائهين في غيوم الغموض، ورجرجة التوقعات التي لا نعرف ماذا سيسقط منها امام مفاجآت الواقع، التي ستكللها النتيجة النهائية.

هذه النتيجة التي لن تكون نهائية بمجرد وقوع الحرب ام عدم وقوعها، بل بما بعد ذلك كله. فالعراق هو اول قتيل في سلسلة العشرة، والتماثيل السوداء الصغيرة جاهزة في صندوق خفي، والدور شبه معروف لدى الجميع.

لكن امرا ما قد يحصل على الجزيرة او خارجها، ويقلب التوقعات ان كان فعلا ثمة وجه للشبه بين الرواية والسياسة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون