سقوط الجدار!…

صحيفة الدستور، 27-08-2003

ويمتد الجدار.. كلما سقط الجدار، فكلما تهاوى الجدار العربي اكثر، تلوث امضى جدار الفصل الشاروني الذي يأتي تنفيذا لعنوان المانيفستو التاريخي الذي يحمل عنوان »جدار الفولاذ« والذي اعلنه جابوتنسكي قبل عقد من قيام دولة اليهود في فلسطين.

وكما كانت صورة زعيم حركة المراجعة هذا تتصدر مكتب مناحيم بيغن، فانها صورة تحتل وجدان جميع الليكوديين، ان لم نقل الصهاينة، وعلى رأسهم ارييل شارون.

غير ان للجوء اسرائيل الى الجدار، في هذه المرحلة بالذات وبعد اكثر من نصف قرن على قيام دولتها، دلالة اخرى تعكس المأزق الذي تعيشه نتيجة استمرار المقاومة الموجعة، ليس فقط في المناطق المحتلة عام 1967 وانما على كامل ارض فلسطين.

فاسرائيل انما تحاول بذلك اعطاء شيء من الحس بالامان ليهودها المهاجرين من شتى بقاع العالم، وشيء من الحس بالعزلة الاضافية، ومن تقطيع الاوصال للمواطنين الفلسطينيين، الذين لا تستطيع، مهما فعلت، ان تنزع عنهم لقب: السكان الاصليين، في محاولة لا تقتصر على المعالجة النفسية وانما تتعدى الى محاولة معالجة ما ينجم عن الوضع الامني النفسي من تداعيات اقتصادية وسياسية وديموغرافية تهدد على المدى البعيد بزوال الدولة كما راحت تقول معظم وسائل الاعلام والمنابر السياسية في اسرائيل نفسها.

زوال سيشكل حتما النتيجة المنطقية لتراجع النمو الاقتصادي الذي انتقل خلال سنوات الانتفاضة، وبفعلها من حوالي 5% الى صفر بالمئة، ويهدد بدخوله ابتداء من هذا العام مرحلة السالب اي كذا بالمئة، في تدحرج لن يوصل الا الى الانهيار، خاصة اذا ما ربط بتراجع الهجرة الذي يسجل تدهورا مذهلا رغم مضاعفة الحكومة – ومرارا – للتسهيلات المعطاة للمهاجرين، مضاعفة ستزيد بدورها من تفاقم الوضع الاقتصادي، في حين ترتفع معدلات الهجرة المعاكسة بشكل مواز، هذا عدا عن الخسارات الكبيرة على الصعيد السياسي والاعلامي في العالم خاصة في اوروبا، حيث تتساقط على التوالي، ونهائيا الاساطير التي بنت عليها الصهيونية العالمية حالة التعاطف مع اسرائيل: من اسطورة ارض بلا شعب، الى اسطورة الدولة الحمل المهددة، الى اسطورة واحة الديمقراطية، وحقوق الانسان، وذلك كله بفعل الانتفاضة.

انهم يوجعون الذراع الفلسطينية، قطعا، لكنها بالمقابل تثبت كل يوم انها توجعهم اكثر، ذاك ان الرهان ليس على الوجع وانما على لي الذراع، حيث يصبح خطر الزوال الذي يهدد الوجود المصطنع، مهما كان قويا، خطرا غير قائم بالنسبة للفلسطينيين.

ومن هنا يكمن مفصل هذا الرهان في الاستمرار، فاما ان تستمر الانتفاضة والعمليات الموجعة فيستمر التدهور، واما ان تتوقف فتلتقط اسرائيل انفاسها، وتعيد ترتيب وضعها، خاصة وان امامها الان فرصة تاريخية لا تتكرر للافادة من الوضع العراقي.

لكن.. اذا كان هذا كله يدفعها الى المضي في انشاء الجدار، فلماذا يتهاوى امامها الجدار الفلسطيني الرسمي مسهلا لها المهمة؟

هذا عدا عن الجدار العربي الذي تتحول حجارته الى كرات من المطاط.

لماذا تنحدر السلطة نحو التورط في حرب اهلية هي الحلم الاكبر بالنسبة لاسرائيل، وستكون – ان حصلت لا سمح الله – اهم من هزيمة 1967؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون