»هل على يديك دم؟
هل ستستقيل؟«
لكأن دمنا ماء..
لكأن هذا السؤال الذي وجهه صحفي ياباني الى طوني بلير امام عدسات الكاميرا، فأجابه بالرعب، كان يقول في ضمير مستتر ان دم البروفسور ديفيد كيلي هو دم، في حين ان دم عشرات آلاف العراقيين هباء مهدور متاح.
اما بلير، الذي لم نره الا متراقصا فرحا امام كل موت عراقي، فقد عقد الصمت لسانه لمدة خمس ثوان، ثم اصابه الارتباك الشديد قبل ان يتمتم جوابا متلعثما لم تفهم منه كلمة.
وعندما سئل في محطة اخرى من جولته الاسيوية: »هل انت مستعد لان تقول للوطن بانك لم تفعل شرا؟« لم يتحمل السؤال.
هل على يديك دم؟
اجل، ما من شيء يهز عرش طوني بلير كدم البروفسور كيلي، وما من حامل لحس انساني الا واحس بالطعنة لموت رجل اريد من قتله قتل الحقيقة.
لكن.. ما الذي تهزه انهار الدماء المتدفقة من الشرايين العربية المفتوحة، وهل التاريخ هو الذي اهدرها ام هي بلهارسيا ضربت الكرامة والوعي ومنظومة القيم العامة؟
وبماذا غسل هذا المستخف بموتنا حد الهزء والاستغباء، يديه من الاحمر القاني ليصلح السؤال الموجه عند موت كيلي؟
هذا المرتبك المتلعثم في طوكيو، هو هو ذلك المتنطنط بالقميص الابيض السبور والضحكة العريضة في البصرة، حيث الدماء السمراء ادكن لونا واشد ثباتا.
لكن.. هي الامبراطورية والبرابرة.. روما الجديدة والبرابرة الجدد، مارك اوريليوس الذي كان رمز العدالة لرعايا الامبراطورية والآمر بصب الرصاص في حلوق الاسرى من البرابرة.
ام هي العنصرية اليهودية، بين »ابناء الله« و»ابناء الناس« اولئك المختارون الذين لا يعتبر قتلهم للعجماوات جريمة ولا تنطبق الا عليهم وصية »لا تقتل«، حملة ارث يشوع: »اذا دخلتم مدينة فكل ما فيها حلال لكم اما اذا قاومتكم فاعملوا فيها قتلا وحرقا وتدميرا«.
ام هي رؤية مكيافيللي:
»بعض الاجبار، بعض العنف اللذين نستعملهما لاحتواء شعب، ولكن ليس هناك الا وسيلتان لتحقيق هذا الهدف كاملا: اما ان تكون على استعداد دائم لان تجند جيشا جاهزا للفتوحات كما الرومان، واما ان تدمره، ان تغرقه، ان تقسمه، بحيث يصبح من المستحيل عليه ان يتجمع من جديد ويتمكن من ايذائك.
»ان تصادر منه ثرواته؟«
– الفقر يخلق اسلحة.
»ان تجرده من سلاحه؟«
– الغضب يقدم له اسلحة اخرى.
»ان تقتل جميع قادته، وتتابع العمل على قمع الاخرين؟«
– الزعماء يتوالدون كرؤوس الافعى الاسطورية«
والحل، اذن امام طوني بلير والاميركيين: مزيد من القمع، مزيد من الدم؟
لا بأس فعن الدم العراقي لن يسأله صحافي غربي، وان حصل، فلن يشعر هو بالارتباك، لان دمنا ماء.. ولان المقابر الجماعية جريمة ان نسبت الى صدام حسين، اما اذا حفرتها القوات المعتدية منذ عام 1991 وحتى الان، فهي رحمة للجثث التي غار دمها في رمال الصحراء..
قاهر، محبط هذا الواقع وذاك السؤال.. لولا ان رولان بارت يعيد الينا بعض الامل اذ يكتب قبل ان تسحقه عجلات سيارة:
»هاكم اذن اول تعريف للبطل التراجيدي، انه المحتجز، الذي لا يستطيع ان يخرج دون ان يقتل، ان حدوده هي ميزته، وعبوديته هي تميزه«.
بهذا المقياس، يتساوى البروفسور كيلي، وجميع المقاومين العراقيين، ويمسكون قسرا يدي طوني بلير ليفرقوها بدمائهم. فتغرق لعنة دجلة في مياه التايمز لتجعل لكل ماء مرشحا لغسل الجريمة رائحة ولون الدم!