»العراق حر.. ولقد اصبح للفلسطينيين رئيس وزراء«.
هكذا طمأننا كولن باول في لقائه مع اللجنة العربية لمكافحة التمييز.
وهكذا اصبح اقسى ما يمكن ان نتعرض له هو هذا الكذب المستخف بالعقول والقلوب والنفوس، واجبارنا قسرا على التصديق. نحن لم نصدق، وها هم العراقيون قد بدأوا يعلنون يوميا تعبيرهم عن فضح الاكذوبة.
لكن اندلاع هذه المقاومة العراقية يجعل قضية وقف الانتفاضة اكثر الحاحا سواء بالنسبة للاميركيين او للاسرائىليين.
فقد كان وقف المقاومة الفلسطينية دائما مطلبا اساسيا بالنسبة لاسرائيل كما كان العمل على التيئيس وسيلة مثلى لتحقيق ذلك، منذ كتب جابوتنسكي في جدار الفولاذ:
»علينا ان نفهم ان هؤلاء الفلسطينيين سيظلون يقاتلوننا، كما يقاتل كل السكان الاصليين المحتل، الى ان نتمكن من القضاء على آخر بارقة امل لديهم«.
المطلب يصبح اليوم اكثر الحاحا، سواء بالنسبة لشارون او للادارة الاميركية وذلك لعدة اسباب اولها ان الولايات المتحدة بتحولها الى قوة احتلال عسكري في العراق تكاد تتماهى مع اسرائىل، واقول تكاد لان ثمة فارقا اساسيا هو ان الاميركيين لم يأتوا كقوة استيطانية احلالية، مما يجعل طبيعة ومستقبل احتلالهم مختلفين، وكذلك مقاومة هذا الاحتلال.
لكن هذا الفارق الاستراتيجي لا يترجم فوارق كبيرة في العلاقة الحالية الصدامية بين محتل وشعب تحت الاحتلال، بحيث يظل التماهي في التعاطي قائما.
وثاني هذه الاسباب هو ان اسرائىل تريد اخماد نار الانتفاضة في فلسطين كي تعيد الحياة الى الاقتصاد الاسرائيلي المأزوم والى صورة اسرائىل في العالم.
كما انها تريد الفراغ من الحالة الفلسطينية كي تتمكن من الالتفات الى الفريسة الجديدة الدسمة والنادرة المترامية ما بين النهرين، لكأن الصهيونية تقف امام قطاف بستان ثري، مزروع بمناجم الثروات، تعيقها عن اغترافه عصبة من المشاغبين المؤلمين والعنيدين.
غير ان من يتضايق اكثر من هذه العصبة هم الاميركيون الذين وضعوا على رأس قائمة اولوياتهم بعد الاحتلال، العمل على خنق اية امكانيات لاندلاع المقاومة في العراق، والمتابع يجد ان هذا المطلب شكل جوهر الضغوط على سوريا مثلا.
وكان وجود واستمرار المقاومة في فلسطين هو المؤهل لان يشكل مصدر الشحن والعدوى والنموذج لاي نفس مقاوم في العراق، فروح المقاومة تسري بين اجزاء الامة، كما السوائل بين الاواني المستطرقة، وخير مثال عليها الحالة التبادلية التي نشأت بين جنوب لبنان وفلسطين، حيث كانت المقاومة الفلسطينية هي من انشأ وغذى المقاومة في لبنان، ثم عاد انتصار حزب الله والمقاومة اللبنانية ليشعل الانتفاضة في فلسطين.
والآن، تنتقل الحالة الى العراق، حيث يفترض خنق المقاومة فيه الى خنق مصادر الشحن سواء في فلسطين او في لبنان، مع فارق ان المستهدف بالمقاومة هذه المرة هو اميركا نفسها.
استهداف قد يجعل البعض يخافون وقد يجعل البعض الآخر ينتبهون الى ان فشل مشروع الادارة الاميركية المتصهينة، لن يعني فقط تفشيل المشروع الاسرائيلي بضرب الدعم الاساسي، بل سيعني نزع القناع وقلع الجذور.