حلم هوليوودي!

صحيفة الدستور، 17-01-2003

»حلم هوليوودي على طريقة فرانسيس فورد كابولا« بهذا يصف مجموعة من الخبراء العسكريين الاوروبيين، السيناريو الاميركي لاجتياح العراق، بهجوم من الشمال والجنوب يستهدف في المرحلة الاولى مدينة تكريت وسائر المدن الكبرى العراقية – باستثناء بغداد التي تترك للمرحلة الثانية – كما يستهدف حقول النفط.

لماذا يستبعد هؤلاء هذا السيناريو ساخرين: ألأنهم لا يدركون حجم القوة الاميركية، وانتشار قواعدها في المنطقة؟ ام لانهم لا يعرفون حقيقة القوى واللوبيهات الضاغطة باتجاه الحرب في واشنطن؟ ام لانهم مخدوعون بقوة الردع العراقية؟

سؤال واحد لا داعي لطرحه ومناقشته هو توقعهم لموقف عربي حازم يصون العراق.

بالنسبة لحجم القوة الاميركية، لم تعد هناك وسيلة اعلام غربية الا ونشرت خرائط لمواقع قواعد هذه القوات في المنطقة وما يحيط بها، واحصاءات دقيقة لما تضمه من جند وعتاد، وبناء على هذه الارقام، يتبين ان ما سيتجمع منها حتى نهاية شهر آذار القادم وفق ما اعلنه البنتاغون لن يتجاوز ربع ما رصد في حرب الخليج السابقة، ففي آخر كانون الاول كان عدد الجنود المعسكرين جنوب العراق مثلا ستين الفا، ثم اعلن عن انضمام خمسة وعشرين الفا حتى آخر كانون الثاني ومثلهم حتى آخر شباط، اي ما مجموعه مئة وعشرة آلاف.

لذلك تفاوض واشنطن تركيا على نشر مئة الف جندي على اراضيها.

هذا الرقم لا يتخلف فقط عن رقم عام 1990 وانما ينقص كثيرا عن العدد الذي يصر عليه الجنرالات، الذين يشترطون تأمين قوة ساحقة لا تقل عن 250 الف جندي قبل بدء الهجوم.

نقطة اخرى تكشف عنها التقارير الاوروبية هي مبدأ عسكري اميركي يقوم على ان كل جندي يقاتل والبندقية بيده يحتاج الى عشرة يدعمونه لوجستيا، وبعملية حسابية يقيمها الخبراء، يصلون الى انه حتى في حال موافقة تركيا، فان عدد القوة التي ستنفذ الهجوم سيكون بين 25 الى 30 الف جندي، وبالرغم من ان هؤلاء سيسيرون تحت غطاء الاليات الهائلة في البر والجو، فان السؤال يبقى حول قدرتهم على اجتياح البلاد.

ويظل الاحتمال الآخر وهو فكرة انطلاق جنود من قواعد في اوروبا للانضمام الى المعركة وهي فكرة غير جدية لانعدام تأقلم هؤلاء مع ساحة المعركة.

بالنسبة للسؤال الثاني حول ضغط دعاة الحرب، لا يجهل احد ايضا استشراس جماعة وزارة الدفاع خاصة بول بولوويتش وريتشارد بيل اليهوديين الصهيونيين، المدعومين من ديك تشيني.

لكن ما كشفت عنه الواشنطن بوست مؤخرا هو المواجهة الحادة بين بولوويتش والجنرالين ايريك شينسكي قائد الجيش وجيمس جونز قائد المارينز، اللذين يعبران عن مجموعة القادة العسكريين الذين يرفضون الحرب، وينذرون القادة السياسيين بانها لن تكون نزهة مكللة بالنصر، على حد تعبير احدهم.

لكن شد الحبل مستمر.

اما بالنسبة لقوة الردع العراقية، فلم يعد هناك الكثير مما يجهله العالم خاصة مع اعمال المفتشين، لكن ذلك لا يمنع المحللين من طرح كم كبير من الاسئلة المتوجسة حول ما يمكن ان يكون موجودا لدى العراق من اسلحة كيماوية، حول قدرة القوات الخاصة على المواجهات البرية، حول لجوء القيادة الى احراق ابار النفط، الى قطع الجسور على الانهر (خاصة وان الجميع يذكر فشل الجيش الاميركي في رمي جسور بديلة بسرعة في يوغوسلافيا) في قطع الطرقات، في اعتماد اساليب العصابات.. الخ..

وهنا تعمل الذاكرة التاريخية لتخرج شبح فيتنام للاميركيين، وذكرى المقاومة ضد النازيين للفرنسيين والالمان، وغيرهم..

وحتى حين يسلم هؤلاء المحللون بامكانية احتلال العراق، فان الاسئلة الصعبة تقفز بدورها:

كيف سيرد الرئيس العراقي وشعبه؟ من سيستطيع ان يواجه المقاومة؟ واذا كان الانكليز قد نشروا في اولستر خلال خمسة وعشرين عاما عشرين جنديا مقابل كل الف مواطن فان عملية حسابية بسيطة تقودنا الى ان الاميركيين سيحتاجون الى 460 الف جندي لضبط العراق فمن اين سيأتون بهم؟

اسئلة تطرحها اوروبا ولا نطرحها نحن المضبوعين بالولايات المتحدة الاميركية، المأخوذين بالحرب النفسية التي يشنها الاعلام المتأمرك المتهود دون هوادة منذ ربيع 2002 بهدفين:

الاول ارهاب القيادة العراقية والشعب، املا في تحرك داخلي، يودي بالرئيس دون اضطرار الاميركيين الى المواجهة الصعبة، وهذا ما اصبح جورج بوش يعلن عنه صراحة.

والثاني ضرب سائر العرب بالرعب المؤدي الى الشلل والخرس.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون