حشـرات الصحـراء

صحيفة الدستور، 01-07-2003

لماذا يستعير المحتل الأمريكي جميع حشرات الصحراء؟ بل لماذا الصحراء؟ ومن قال أن العراق صحراء؟ لماذا التركيز على هذا المضاف إليه منذ عاصفة الصحراء وثعلب الصحراء إلى أفعى الصحراء؟ أين ذهب النهران، وأرض الخصب الذي حكم الأساطير الأولى؟ أوليست تلك هي الحرب النفسية التي لا يخوضها الأميركيون على الجبهة العراقية والعربية فحسب، وإنما أيضا على الجبهةالأمريكية والغربية حيث للصحراء وقع ودلالات ربما تساعد في إقناع الوجدان بالحرب.

لكن إذا كان سم العقرب قد أثبت عجزه عن القضاء على المقاومة المتنامية، فهل أن سم الأفعى سيفعل؟ وهل اختيار ذات الجرس إلا دلالة على حجم محرضات الخيال الأمريكي، تلك التي لا تدل إلا على حجم المأزق الذي غرق فيه الاحتلال، احتلال لم يأت ليذهب، ليس بدليل تصريحات بريمر فحسب، وإنما بدليل ما يجري على أرض كركوك من بناء لثاني أكبر قاعدة أمريكية في العالم.

ولكن ماذا يفعل المحتل بهؤلاء الذين يشوشون عمله كما يهدد تطور ونمو عملهم بتشويش خطته كلها؟

لا بد له من استعمال جميع الوسائل ضده بدءا من أبسطها وأوضحها، أي القمع العسكري المباشر من اعتقالات وتدمير ونهب وقتل ومصادرة..الخ من الأساليب التي بز الأمريكيون فيها ربيبهم الإسرائيلي. مع تعميق وتنشيط الخط الموازي المتمثل في شراء العملاء وتفعيل دور الأجهزة الاستخبارية.

وانتقالا إلى وضع كل الثقل لوقف المقاومة في فلسطين، تأمينا للاستفراد، وكي لا يتحقق تطبيق قانون الأواني المستطرقة بين الأرضين المحتلتين والمقاومتين مما قد يهدد أيضا بتسرب السائل المشتعل إلى سائر الأواني المتصلة.

ومن ثم العمل السياسي والإعلامي الدؤوب على تحطيم المعنويات وتعميق الإحباط، عبر عدد لا حد له من اللعب السياسية والتركيبات الإعلامية التي لا يخرج عن سياقها خبر أو صورة أو تقرير. بما في ذلك التأكيد على قرب اعتقال صدام حسين، وكذلك المقابلتان اللتان أجريتا مع الصحاف.

ففي كلتيهما لم يقل الرجل شيئا، رغم ان الإعلان عنهما تركز على أنه سيتكلم. والواقع أن الحديثين قد حملا كلاما، لكنهما لم يحملا قولا، حملا ردودا، لكنهما لم يحملا إجابات، وتركا في الأذهان سؤالا… لماذا قبل أن يتكلم؟

بل ولماذا أجبر على أو سمح له بأن يتكلم؟

الجملة الخبرية الوحيدة فيما قاله هي أن الأميركيين اعتقلوه، استجوبوه ثم أطلقوا سراحه، فهل كان هذا الحوار المتلفز شرطا لذلك ؟

ليكون بالتالي الضربة الاكثر توفيقا في الحرب النفسية الأمريكية؟

وليكون الرسالة المثلثة الأبعاد التي يوجهها الأمريكيون من خلاله… للمقاومة العراقية الوليدة أولا، وثانيا وثالثا ورابعا… وللشارع العربي خامسا، وللرأي العام الدولي والأمريكي الذي يشهد ما يشهد من البلبلة حول قرار الحرب الامريكي، خاصة مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي.

بعد الحرب العالمية الثانية، لم ينتج الأمريكيون عملا وثائقيا إلا وتضمن صورة امبراطور اليابان، وهو يسير بخطى بطيئة ومنكسرة على البساط الأحمر ليصل المنصة و يقول : »أعلن استسلام اليابان بدون شروط« لكن الأمريكيين لا يريدون للعراق هذا البهاء حتى في الهزيمة، ولذلك غيروا الإخراج، وإذ لم يظفروا بصدام حسين، فقد اختاروا صورة الرجل الاكثر توهجا، في وجدان الناس.

لكن هل كانت خطوات هيرو هيتو وجملته الوحيدة المنكسرة نهاية اليابان؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون