حتميات

صحيفة الدستور، 25-01-2003

في كتاب (صعود وهبوط القوة العظمى) الذي لقي نجاحا منقطع النظير يكشف بول كنيدي في تحليل عميق ومطول، الى اي درجة تعيش الولايات المتحدة هاجس التراجع والانحطاط.

ويتناول ما كتبه ج.د. ستيبزونر حول ضرورة تغيير السياسة الخارجية لاسباب اقتصادية تتمثل في ان تحول الاقتصاد الامريكي من اقتصاد وطني محض، يشكل مصدرا صلبا للقوة الى اقتصاد عولمي عالمي قد حمل للولايات المتحدة تفوقا في المطلق، لكنه حرمها من التفوق الذاتي، فقد تراجع حجم انتاجها من نصف انتاج العالم عام 1945 الى اقل من ربعه عام 1985 علما بان الانتاج العالمي قد تضاعف في هذه الفترة خمسة اضعاف.

ويفسر كنيدي ذلك بالقول: ان ممارسة الهيمنة العسكرية هي عملية مكلفة اقتصاديا، والدول التي تحررت من هذا الالتزام كالمانيا واليابان استطاعت ان تكرس جميع جهودها لاستثمارات فعّلت النمو الاقتصادي.

وعلى العكس من ذلك فان الدول التي ترهق اقتصادها بالانفاق العسكري تفتقر تدريجيا وهذا التراجع يهز اسس سيطرتها، وبهذا ترتسم بداية طريق الانهيار امام الامبراطورية الامريكية وسواء كانت هذه النظرية صحيحة ام لا، فانها ولا شك، وخاصة بعد انهيار الامبراطورية السوفياتية تشكل هاجسا يؤرق الانتلجنسيا والمسؤولين في واشنطن وتغذي لديهم حتميتين:

الاولى هي ضرورة الحفاظ على الهيمنة العسكرية والسياسية لتأمين المصادر الاقتصادية بالدرجة الاولى مع ما يعنيه ذلك من ضرورة السيطرة على مواقع مصادر جديدة اذا لزم الامر.

والثانية هي الاحساس بان من يقف ضد الولايات المتحدة في سعيها لذلك انما يرتكب عقوقا بحقها، لانها بلد ضحية مسؤولياته العالمية وعطائه.

واذا كانت الحتمية الثانية تترجم بردات الفعل ازاء الاخرين، واخرها ما صدر عن رامسفيلد ضد المانيا وفرنسا، فان ترجمة الاولى هي الاصرار الحثيث على السيطرة على مناطق النفط وعلى العقد الاستراتيجية في العالم.

ولعل من سوء حظنا ان بلادنا العربية تجمع الصفتين معا، فيما عبر عنه كولن باول عام 1990 باختصار قائلا: (لا شك اننا نحتاج الى السيطرة على منطقة الخليج العربي والشرق الاوسط في مواجهتنا الاستراتيجية المقبلة مع اسيا واوروبا).

وهي سيطرة لا يمكن ان تكتمل بدون العراق، سواء لحجمه الجغرافي والديموغرافي او لموقعه او لكم وعمر نفطه الذي سيمتد مخزونه خمسمئة سنة ونيف بتقدير الخبراء اي ما يتجاوز جميع مخزونات العالم بمئات السنين.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون