كلهم منشغل بما يريده منه ومن ادارته، ولكن هل لنا الا نسال عما نريده من انفسنا، نظامنا الرسمي والشعبي، في التعامل مع هذه الادارة الجديدة. فمن سيحترم ناسا لا يحترمون انفسهم؟ ومن سينظر الى مصالح امة تتمزق وتتقاتل على جثة مصلحتها؟ ومن سيلتفت الى حكومات منفصلة كليا عن شعوبها، وشعوب لا تملك التاثير على قرار حكامها؟
سيكولوجيا نجحت الولايات المتحدة في اجراء انقلاب كلي لدى كل مواطن في ارجاء العالم، غسلت وجهها، بل وقلدت مايكل جاكسون في اخضاعه لواحدة من تلك العمليات التي تحول البشرة من سوداء الى بيضاء، وبمسحة رسول عاد الكل ليرى في هذه الدولة الكبرى نموذجا يرضي مكامن ارواحهم او حتى عقدهم: المستضعفون في الارض راوا انفسهم في وصول ابن الطبقة المعدمة، والسود وجميع الاقليات روا انفسهم في وصول الشاب الاسمر وزوجته الزنجية النشطة، وملايين المهاجرين روا في الشاب الغاني الاصل غذاءا لحلمهم في الاندماج والوصول الى تحصيل حقوق ما زالت بينهم وبينها سنوات ضوئية، وايتام اليسار فرحوا باستعادة اخبار عن شاب قرا كارل ماركس وعمل في بداية حياته مع المهمشين
ولكن ما الذي يغيره ذلك في مصالح الامبراطورية التي هزتها سياسات جورج بوش؟ فاوباما هو رئيس الولايات المتحدة الاميركية، الامبراطورية التي تربعت على عرش العالم، وقضيتها هي البقاء على هذا العرش، وليس رئيس جمعية خيرية او رهبنة او ملجا او ميتم. وبقاء الامبراطوريات لم يكن يوما – عبر التاريخ – مؤمنا بواسطة مبادىء العدالة والحرية والمساواة، حتى ولو ان التاريخ قد اثبت ان التنكر لهذه المبادىء هو على المدى البعيد سبب انهيار الامبراطوريات. لكن السبب الجوهري هنا هو امر جدلي، حيث ان هذه المبادىء تتناقض وفكرة ومفهوم الامبراطورية بالذات، ولذلك فلا خيار لهذه الاخيرة في ان تخوض صراعاتها لاجل قمع هذه الثلاثية على مستوى الكرة الارضية، وخاصة على مستوى مداها الحيوي جغرافيا اواقتصاديا اوسياسيا. تماما كما هو حال الاحتلال: اي احتلال، حيث لا يمكن له ان يتصرف وفق الاخلاقيات والقيم، ليس فقط لانه يقوم بحماية بقاء عمل غير اخلاقي، وثانيا لانه لو تصرف كذلك لقضى على نفسه بسرعة.
من هنا فان نجاح اوباما او فشله، يتحددان بمدى قدرته على معالجة كل الحالات المرضية التي تعاني منها الامبراطورية الاميركية مع بداية عهده. وقدبدا فعلا منذ حفل التنصيب بمعالجة امر اول هو الصورة، كما اسلفنا اعلاه.
القضية الثانية التي ستكون مركزية، هي القضية الاقتصادية، وقد اعطاها الرئيس حقها في خطابه وبرنامجه. لا اهمية لما اذا كان هذا البرنامج اكثر ميلا الى وصفات اليسار، مبتعدا عن النيوليبرالية، ولكن لنذكر انه يفعل ذلك لاستعادة قوة الامبراطورية لا للتقرب من يساريي العالم الاخرين. لكن ما هو اهم، انه لن يتمكن من النجاح اذا لم يحشد حوله دعم القوى المسيطرة على اللوبيهات المالية والاقتصادية، واكل يعرف موقع اللوبي اليهودي من هذه وتداخله معها. كذلك نعرف ان مبيعات اللوبي الصناعي العسكري تشكل موردا اساسيا من موارد الولايات المتحدة، واذا كانت سياسة الرئيس الديمقراطي ستذهب باتجاه التقليل من رقع الحروب، فان عليه ان يجد صيغة ما كي لا يتاثر هذا اللوبي الذي لا يرحم رئيسا، ومثال نيكسون ما يزال قريبا، هو الرئيس الذي قال في خطاب استقالته ان اللوبي الصناعي العسكري سيقضي على الديمقراطية الاميركية ( وكانت تلك المرة الاولى التي يستعمل فيها رئيس هذا المصطلح ).
اما القضية الثالثة والمصيرية، فهي تصدي اكثر من طرف على سطح الكرة لفكرة ” الرجل المريض” اي التهيؤ لوراثة واشنطن او على الاقل مشاركتها. بدءا من اسيا الى اروسيا الى اميركا الجنوبية وربما احيانا لمحات ما في خاطر اوروبا. وهنا لا بد للرئيس ان يحسن حساباته بدقة بالغة كي لا يدفع اي طرف في اي اقليم باتجاه الطامعين والاحلاف الجديدة. وذلك ما قد يمارسه بالعصاة او بالجزرة معادلات تفتح للنظام العربي كله مجلات افادة حقيقية، ولكن… لو ناديت حيا!