تراجيكوميديا!

صحيفة الدستور، 07-08-2003

كوميديا سوداء، ام تراجيكوميديا، ما يحدث في العراق الان، بل ما يحدث للعالم كله..

فبعد استثناء المواطنين الاميركيين من المقاضاة امام محكمة العدل الدولية في لاهاي، جاء قرار بريمر بمنع اي عراقي من مقاضاة اي امريكي، سواء كان من جنود الاحتلال او سواهم.

لتسقط الستارة على المشهد الاول المعنون: القانون الدولي وحقوق الانسان.

وبعد الحديث الاستعراضي عن قمع ومنع الاحزاب المعارضة للوجود الامريكي، واجتثاث واستئصال حزب البعث بما يضم من مئات الاف العراقيين.. جاء قرار بريمر ايضا، بمنع الصحف العراقية الصادرة الان في العراق من نشر اية مواد تعارض الاحتلال واجراءاته او تحرض عليه لتسقط الستارة على المشهد الثاني المعنون: ديمقراطية.

وبعد الحملات الاعلامية التهويلية عن الملاجىء – الحصون التي كانت معاقل صدام حسين تحت الارض، يعمل الامريكيون اليوم على اصلاح هذه المعاقل نفسها لكي يقيم فيها جنودهم واداراتهم، ولتسقط الستارة على المشهد الاخير من الثلاثية المعنون : التحرير وما اعد له من سينوغرافيا الورود والرياحين المنتظرة في ايدي العراقيين.

واذا كان المشهد الاول يعكس نظرية الامبراطورية والبرابرة، التي قامت عليها روما القديمة، وادت في النهاية الى سقوطها ويجعلنا نتساءل: هل ستكون بغداد كما كانت قرطاج، اخر انتصار للامبراطورية التي لم تهزم؟

فان المشهد الثاني يتصاعد نحو الذروة الدرامية عندما نتنبه الى ان هذه الصحف المقموعة المخضعة لمشرط الرقيب الامريكي، هي نفسها التي كانت تصدر من لندن وعواصم اخرى مسعورة هادرة ضد الرقيب العراقي، محرضة على ازالة نظام لا يعترف بحرية الرأي ومبررة لنفسها الارتماء في حضن العدو الامريكي – الاسرائيلي، بحجة انها منفية طوعا او قسرا بسبب غياب الديمقراطية، وتقبل اية تحالفات – تعيدها الى عراق حر.

فهل يمكن ان نعود الان الى اي مقال في اي عدد من اعداد تلك الصحف، من ذلك النوع الناري الموجه ضد رقابة النظام البعثي والمتغزل بالحرية، ونطلب من صاحبه ان يعيد نشره مستبدلا نسبة الرقيب من عراقي الى امريكي ومن صدام حسين الى بول بريمر؟ ليشمر ابطال الحرية هؤلاء عن سواعدهم الان، هم الذين كان اول ما فعلوه بعد عودتهم ان سرقوا الجزء الاكبر من رواتب مراسليهم والعاملين معهم، ومخبريهم، خاصة من انتفت فائدته التخريبية مع سقوط النظام، وليباشروا معركة الحرية الحقيقية ضد كل مصادرة للحريات وضد احتلال لا يفعل الا سرقة بلادهم »مخرسا اياهم بالفتات« واذلال شعبهم، ولا تشغله الظروف الصعبة كلها عن خصخصة القطاع العام لبيعه للامريكيين والاسرائيليين، وعن تشغيل قطاع النفط بأيد اسيوية في حين يرتمي ملايين العراقيين بدون عمل، وعن عقد صفقات شراء بنادق، موجودة مثلها بالملايين في العراق، ومن ذلك النوع الذي انتج بعد الحرب العالمية الثانية في فنلندا.

ولا يأبه لكون هذه المعلومات قد صدرت عن مركز دولي لرصد الاحتلال وتجاوزاته على حقوق الانسان، لان السبب كامن في المشهد الاول من الدراما، ولان المحتل يعرف انه ذاهب لا محالة، عاجلا ام آجلا، اذن فالهدف هو تنفيذ اكبر قسم ممكن من مخطط النهب والتهويد.

اما المشهد الاخير فان ديكور الحصون المخفية تحت الارض، يعكسل معنى نفسيا قبل ان يكون عسكريا وسياسيا! انه معنى العزلة والهرب من الرفض، والخوف.. معنى تحول المحاصر »بكسر الصاد« الى محاصر »بفتحها«، اذ لن تستطيع السيطرة على الاجواء والصحراء من تحقيق تفوق في حرب الشوارع، كما لم يستطع تسخير الاعلام كله لنشر الاكاذيب والوعود من اقناع العراقيين انهم بخير واحرار.

معنى خسارة الرهان، وانفتاح المعركة من القدس الى بغداد بل والى المانيا حيث اعتدت المخابرات الامريكية على سيادة البلد، وادخلت عناصر مكلفين بعدة عمليات اغتيال، منها واحدة ضد رجل متهم بالتعامل مع المقاومة العراقية.

معنى بداية العد العكسي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون