تبديل ادوار

صحيفة الدستور، 14-01-2003

ما هو المعلن وما هو المسكوت عنه في مبادرة الامير عبداللّه؟

ما هي الدوافع الحقيقية لتقديم مقترحات واعتبارها خطة عمل يمكن للعرب ان يجتمعوا عليها، ان لم يكن لتفادي الحرب، فلتفادي ما يمكن ان يليها، وكي لا تكون العراق واسطة العقد، الذي لن يوقف شيء انفراطه؟

وما هي علاقة ذلك كله بالتفاؤل »الشخصي« الذي عبر عنه ولي العهد السعودي، حيال عدم حصول الحرب؟

ايا تكن الاجابات على هذا كله، وايا تكن الاسئلة التي يمكن ان تتولد عن الاسئلة فإن ضرورة دفع الدم في الجسد العربي المشلول، هي امر محتوم كمعادل وحيد للموت الاكيد.

دون ان يعني التأكيد على هذه الضرورة، التأىيد المسبق لمقترحات الامير التي لا نعرف عنها ما يكفي.

ذاك ان احدا لم يعد يجهل ان الدور بعد العراق، اتٍ على السعودية، وسوريا وايران ومصر.

فالذين لا يخجلون من ايديولوجية المنفعة، وسياسة الامبراطورية، في الادارة الامريكية يعلنون ان اعادة رسم الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة، ولهذه الدولة خاصة هي الارضية الضرورية للهيمنة الامريكية ولتفوق دولة اسرائيل.

والذين يحبون ارتداء القناع الاخلاقي، والتستر بمبادى ايديولوجية المسؤولية العالمية للعم سام، وهم ثلة من المثقفين والسياسيين المحافظين الذين صعدوا في عهد ريغن، واستقروا في اعلى البنتاغون في عهد بوش، فيروجون لرؤية مفادها ان الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية اساسية عن التخلف السياسي في منطقة الشرق الاوسط، ذاك انها في حمى تصديها للنفوذ السوفييتي، وحاجتها للنفط، دعمت انظمة ديكتاتورية وملكية وثيوقراطية، وان عليها الآن اصلاح خطئها، بدءا من العراق وانتقالا الى سواه.

مهما بدا هذا الماكياج متقنا، فإنه لا ينطلي على عربي واحد.. لكن الواقع انه قد ينطلي على الكثيرين في الغرب، اما لجهل واما لانهم يريدون قناعا يخفون وراءه بشاعة سلوكهم السياسي.

لكن النتيجة واحدة: اقتنعنا ام لم نقتنع، سرت خدعة القناع ام لم تسر، تبنى الخطاب صيغة الصراحة الاولى ام صيغة المواربة الثانية.

النتيجة ان هذا العالم العربي مقبل على تغيير قسري، سيكون بمثابة اجهاض رهيب لامكانيات التغيير الحقيقية، او بمثابة حمل وهمي يلغي امكانيات الحمل الحقيقي.

ولن يقتصر خطر هذا التغيير القسري على اجهاض التغيير فحسب، وانما سيطال كل شيء، من الوجود الى الثروات الى الكرامة، الى الحرية، الى القيم بكل اطيافها، وتحولنا الى جماعات -لا شعوب- مزدوجة العبودية: العبودية لاسرائيل والعبودية للولايات المتحدة.. لكن اغلالنا ستكون من نوع مخدر يجعلنا نضعف للسيد.. واذا ما وصلنا الى يوم نعي فيه وجودها، ستكون قدراتنا على نزعها قد شلت، بل ان هذا الشلل يضربنا اليوم، والا فكيف نفسر الاصوات الهادرة في جميع شوارع العالم: حتى في الولايات المتحدة نفسها، والخرس العربي.

كيف نفسر الاعلان عن نتائج استطلاع للرأي يقول ان 70% من الفرنسيين يعارضون الحرب، ولا نسمع بالمقابل عن تعبير مشابه في دولة عربية؟

لذلك كله..

ولانها المرة الاولى التي تقف فيها الانظمة التي طالما شعرت ان الخطر على وجودها صادر من شعوبها، امام الرياح اللاهبة القادمة من الخارج، من الدول والقوى التي كانت تحميها.

وهي المرة الاولى التي تواجه هذه الانظمة حقيقة ان تلك القوى التي استعملتها طويلا ضد شعوبها لتأمين مصالح مقاومة المد الشيوعي والايراني، والحصول على النفط.. وضمان اسرائيل.. هذه القوى انتقلت الآن الى استعمال شرائح من هذه الشعوب، شوهها القمع والمنع والمصادرة، ورماها في حضن العدو، استعمالها لضرب الانظمة ودولها وشعوبها، تأمينا لتلك المصالح نفسها.. فالنفط هو النفط، واسرائيل هي اسرائىل، والقوة الصينية النامية والوحدة الاوروبية الصاعدة تحلان محل السوفييت والخميني.

فهل يتدارك القائمون على حال هذا العالم العربي البائس هذه اللعبة ويسارعون الى المبادرة في احداث اصلاحات حقيقية، قد تنقذ شيئا قبل فوات الاوان؟..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون