بالحرب او بدون الحرب، هل ستدفع فلسطين الثمن؟
بل هل سيكون الثمن هذه المرة اكبر من فلسطين ومن العراق ايضا؟
ثمن هو مستقبل العالم العربي كله، حريته، كرامته، ثرواته، واستقلاله.. هذا بعيدا عن حلم الوحدة الذي اصابه ما اصاب مكوك الفضاء الاميركي، ولكن دون ان يفجر بداخله المشاركة الاسرائيلية.
»كفوا عن تشبيه ما يجري في فلسطين بجنوب افريقيا.. انتم شعب يلتقط المصطلحات والكيشيهات ويتعلق بها بالحاح.. صحيح ان الوضعيتين تقومان على العنصرية، وان في ترسيخ الطابع العنصري للصهيونية ولدولتها فائدة وضرورة، لكن مسلك العنصرية الاسرائيلية اشبه بما انتهجه الرجل الابيض في اميركا، مما فعله في جنوب افريقيا، اقول في اميركا وانا اعني الهنود الحمر لا السود.
ملاحظة متحمسة تقولها لي ناشطة اوروبية تعمل في الاراضي المحتلة على توثيق الوضع بالصورة الفوتوغرافية، وتضيف: »في جنوب افريقيا لم يطرد السكان الاصليون، لم يجبروا على الهجرة، لم يبادوا، لم تعزل مدنهم وقراهم او بالاحرى ما ابقي عليه من مدنهم وقراهم الى تجمعات صغيرة مطوقة، مقطوع كل منها عن الآخر بحيث لا تقوم امكانية لاستمرار دورة الحياة الطبيعية والضرورية لجعل الشعب شعبا والامة امة.
صحيح ان سياسة الفصل العنصري، هي التي اتبعت، لكن جلد النمر هو ابتكار اسرائيلي، لان حشر الفلسطينيين في كيان واحد مفصول عن الكيان اليهودي في فلسطين، يتطابق مع المفهوم الصهيوني، لكنه يبقي على الفلسطينيين وحدة كيانية، متصلة ببعدها العربي، وبذلك يصبح الفصل عزلا لاسرائيل لا لهم، كما يبقي على وجودهم وجودا حيا، في حين ان ما تريده الصهيونية، ليس حكم اليهود للعرب باسم نظرية التفوق العنصري، بل التخلص من هؤلاء وجوديا، لان المطلوب هو الارض بدون ناسها، لا السيطرة عليها وعليهم«.
ثمة عنصرية فريدة لا ينتبه لها الخطاب العربي، هي عنصرية الارض، ان صح التعبير، فليس الشعب وحده هو المختار والمفضل والمتفوق، بل ان الارض ايضا هي المختارة والمفضلة والموعودة لهذا السيد.
قد نقول ان كل ارض هي المفضلة لاهلها، وهذا صحيح، لكن بفعل ارتباط حياتي يخلقه التعايش والتفاعل التاريخيان عبر الآف السنين بينها وبينهم، لا بفعل وعد الهي اسطوري تنفذه القوة العسكرية.
غير ان الملفت في هذه المقارنة كلها، هو تماثل السياسة العنصرية الاحلالية، بين اميركا واسرائيل، ان لم نقل بيننا وبين الهنود الحمر، ذلك التقارب الذي يعبر عن نفسه بمصطلحات تاريخية سياسية واحدة: »الاباء المؤسسون« »الرواد« »الانقراض« الخ..
هذه المصطلحات التي لا يتخلى عنها مؤرخون وباحثون يدعون العلمنة في الدولة العبرية من مثل زئيف ستيرنهيل والنتيجة العملية؟ المآل التاريخي؟
»اما فرض الفلسطينيين لوجودهم كدولة متصل ببعدها العربي، واما تحول من سيبقى منهم الى تجمعات سكانية صغيرة، يزورها السياح، وتبيع المطرزات«.
انظر الى رؤيتها، فاذا فيها الكثير من التشاؤم، وان كان في اساسها التحليلي المقارن الكثير من العناصر الواقعية تلك العناصر التي قد تفسر الكثير من تقارب الذهنيتين: الاميركية والاسرائيلية.
لكن ثمة عناصر اخرى، تغير نتيجة المعادلة، عناصر تتعلق بطبيعة كل من الشعبين، بطبيعة المرحلة التاريخية، بالبعد التاريخي الذي يجعل من الفلسطينيين جزءا من امة مكتملة الوجود مكتملة الحضارة – حتى ولو كانت تمر بفترة انحطاط تبرر كل الاحباط الناتج – بواقع انتشار الشتات الفلسطيني في كل انحاء العالم وبفعالية اقتصادية وثقافية وسياسية واعية، بوجود تنظيم سياسي نضالي – مهما تكن عيوبه وسلبياته – الا انه يشكل اساس كيان سياسي، دولة.. الخ.
غير ان كل ذلك يجب الا ينسينا ان ما ينسج للعالم العربي المشلول الان، لا للعراق فقط، يقربنا اكثر من صورة الهنود الحمر، فهل سننزع الكوفية ونضع مكانها تاجا من الرىش الملون.