ماذا تعنين؟
من اين جئت بهذا؟
بهذا المنطق الاستفهامي الهزيل، كان الناطق باسم مجلس الحكم العراقي يرد على مذيعة الفضائية، حين وجهت اليه سؤالا بسيطا حول موقف المجلس من حق الفيتو الذي منح لبول بريمر، ماذا تعنين؟
واوضحت له الفتاة ماذا تعني، اي ما يعرفه كل مواطن في الشارع بعد ان تحدثت عنه جميع وسائل الاعلام، حق الحاكم الاميركي للعراق باستعمال الفيتو ضد اي قرار يتخذه مجلس الحكم المعين من قبله.
فاذا به يجيبها بالسؤال الثاني: من اين جئت بهذا؟
لا يمكن ان نشك للحظة ان الرجل يجهل فعلا ما يسأل عنه، والا كانت المأساة ابلغ، لكنه هروب صاحب الخزي والفضيحة، الذي لا يجد ما يقوله.
غير ان الفضيحة الاكبر، هي ما اضطر فعلا لقوله بعد الحاح المذيعة عليه:
»انا شاركت في اجتماعات كثيرة ولم نسمع بريمر يتحدث عن الفيتو، فلماذايستعمل الرجل الفيتو ونحن نعمل بنفس الاتجاه، نحن في مجلس الحكم نعمل لمصلحة الاستقرار اي لمصلحة اميركا«.
كنا دائما نقول في مجال تذمرنا من القمع الفكري والرقابة، ان اسوأ مايمكن ان يصله كاتب في نظام قمعي، الا يتعرض مرة للقمع او المنع او حتى الحذف، اذ يعني ذلك ان الرقيب الداخلي قد تماهى مع الرقيب الخارجي السلطوي، وبسط سيطرته على كامل الروح.
فهل هذا هو حال مجلس الحكم الذي لم يضطر معه بريمر، حتى الى الحديث عن الفيتو؟
ام ان الحال اكثر سوءا، اذ ان بريمر حاكم احتلال، وهذا المجلس يدعي انه يهيىء البلاد للانتقال الى حكم وطني، فأي حكم هذا الذي يهيأ؟
اشباه رجال يعملون »بنفس الاتجاه الذي يعمل فيه الاحتلال« ويتباهون بانهم يعملون »لصالح الاستقرار اي لمصلحة اميركا«.
فما هو هذا الاستقرار؟
واين مصلحة العراق منه؟
الاستقرار، يعني سحق المقاومة أيا كان لونها، واخضاع العراقيين كافة للاحتلال مستسلمين.
ويعني تأمين كافة الاجواء المناسبة للشركات الاميركية كي تتمكن من نهب النفط وسائر ثروات البلاد دون اعتراض او ازعاج.
ويعني كنس الساحة امام الطوفان اليهودي – الاسرائيلي المتدفق على بلاد ما بين النهرين، من الاشراف على وضع الدستور، باسم نوح فيلدمان، الى الاشراف على اول مركز دراسات لمكافحة الارهاب في بغداد باشراف الجنرال كارمون مستشار شارون لشؤون الارهاب، الى افواج مشتري العقارات والمستثمرين ورجال الاعمال والشركات الاسرائيلية، الى عدة قيادات عسكرية في جيش الاحتلال ومنها قيادة القوات المتعددة الجنسيات التي اوكلت لبولندا البلد الاوروبي الاكثر تهويدا منذ كان مناحيم بيغن يقود فيها اكبر تنظيم للبيتار في العالم قبل الحرب العالمية الثانية.
استقرار، لا يعني امركة البلاد وتهويدها بمعنى تحويلها الى شبيه للولايات المتحدة واسرائيل، او الى »البلد النموذج في الشرق الاوسط« كما كان يقول بوش وادارته. بل بمعنى تحويلها الى مستعمرة متخلفة بائسة وخاضعة.
والثمن: بضعة ملايين يحصل عليها اللصوص المحليون من فتات ما يسهلون للصوص القادمين الحصول عليه، من مئات المليارات. وما يستطيعون ايضا بيعه من كرامات العراقيين وسيادتهم.
او بضعة مناصب وهمية شكلية لعطاش السلطة حتى ولو كانت كرتونية شكلية ووهمية.
وعلى العراقيين والعرب ان يصدقوا ان هذه هي الديمقراطية والحرية، وعلى الجامعة العربية ان تعترف بهؤلاء الذين لا يضطر الحاكم المحتل من ان يتحدث امامهم عن الفيتو.
لنتخيل مثلا، لو ان الحاكم العسكري الاسرائيلي للضفة الغربية، لم يضطر للاختلاف مع منظمة التحرير او مع السلطة الفلسطينية ولنتخيل ان صائب عريقات او ياسر عبد ربه خرجا علينا بـ »نحن نعمل في نفس الاتجاه…«.