لماذا يكشف ريشار لابيفيير القناع عن قضية اغتيال طوني فرنجية؟ والان؟
لماذا يقدم الدلائل على ارتباط سمير جعجع بالموساد؟ وفي الوقت نفسه يبرؤه من قتل طوني فرنجيه بشكل مباشر؟
لم تكن علاقة جعجع بالموساد يوما خافية، ولكن لم يحصل ان تم تاكيها بوثيقة موقعة من رجل مقرب من وزارة الدفاع الفرنسية ومن اجهزتها السرية بشكل خاص، فهو رئيس تحرير مجلة الدراسات العليا للدفاع الوطني، ويقول في مقدمة كتابه انه استقى معلوماته من رجال مخابرات اسرائيليين ذوي مستوى عال التقاهم في سويسرا، ومن مصادر المخابرات الفرنسية. الرجل عارف جيد بلبنان فقد سبق وان اصدر ايضا كتابا حول تعاملالاروقة السرية لمجلس الامن مع المسائل اللبنانية.
لابيفيير يثبت علاقة الموساد، حيث يقول ان الجهاز الاسرائيلي هو من خطط لعملية اقتحام قصر فرنجية، وان اختيار المنفذين تم بناءا على اختبارات اجراها محللون نفسيون اسرائيليون للمقاتلين الذين رشحتهم الكتائب للقيام بالمهمة. مما يدفع تلقائيا الى السؤال: ما الذي وجده هؤلاء في سمير جعجع ليختاروه قائدا للمجموعة؟
غير ان الكتاب يؤكد على مسالة طالما تم تداولها في لبنان كاشاعة وهي ان جعجع جرح منذ اللحظات الاولى للاشتباك، ولذلك لم يتمكن من الاستمرار في قيادة العملية، وحرصا على موضوعية اكبر يلجا الكاتب الى لقاء سمير جعجع نفسه ومواجهته بالوقائع، فلا ينفي ايا منها ويؤكد على انه لم يقد العملية بسبب اصابته. فمنهو المساعد (او المساعدين ) الذي قادها اذن؟ وبالتالي من الذي يحمل في عنقه دم عائلة كاملة من اب وام وطفلة ومعهم 35 رجلا من حراستهم؟
وبعيدا عن هذه الشخصنة لا بد من التساؤل عن سبب اختيار طوني فرنجيه كهدف؟ لا بيفيير يخصص الفصل الحادي عشر لتفصيل خطة الموساد التي لم تكن تقوم على قتل الزعيم الماروني الشاب وانما اذلاله عبر اقتحام منزله والقاء القبض على احد حراسه المتهم بقتل احد الكتائبيين في احدى الاشتباكات، واذ رفض فرنجيه ذلك وقاوم مع رجاله فان المعركة الت الى ما الت اليه. هنا لا بد من ملاحظة ان ما من ساذج يعرف الحد الادنى من سيكولوجية وسياقات الحالة يمكن ان يصدق ان فرنجيه يمكن ان يسلم رجلا من رجاله،. وبالتالي فان المخططين كانوا يعرفون جيدا الى اين ستصل الامور. وحتى لو صح التوقع بانه كان من المتوقع الا يكون فرنجيه في المنزل، فان النتيجة ربما كانت اسوا لان نتيجتها الحتمية هي معركة دامية طاحنة بين الفريقين على لمدة لا يعرف احد مداها. والغاية الحقيقية هي احكام سيطرة القوات اللبنانية المتعاونة مع اسرائيل يومها على شمالي لبنان، والقضاء على حليف ماروني اساسي وتاريخي لسوريا وتصفية الساحة اللبنانية من تعددية الزعامات المارونية لحصرها كلها بامرة ميليشيات الكتائب ومن ثم القوات.
بتمعن قليل في مضمون الفصول نجد انها تنقل المسؤولية في العمق الى قيادة الكتائب اللبنانية، وبالطبع الموساد، ولا تجعل من سمير جعجع الا مجرد مقاتل اداة وقع عليه الاختيار. ولا شك في ان الموساد لا تابه باتهام كهذا ولا يضيرها كشفه، في حين ان المتضررين يتوزعون على ثلاث: الكتائب اللبنانية التي تحاول الان ان تتحرك باتجاه مصالحة مسيحية مسيحية، وسمير جعجع الذي يتضرر ويستفيد في ان واحد، اذ تثبت مشاركته وعمالته ولكن تثبت في نفس الوقت براءته من التنفيذ الفعلي، اما الفئة الثالثة فهي اولئك المنفذون وخاصة قادتهم الذين يقول لا بيفيير ان ثلاثة منهم يعيشون في استراليا، وربما كشف في كتابه عن اسمائهم واسماء رفاقهم، اذا لم تنجح الضغوط التي تمارس عليه لعدم فعل ذلك.
في باريس خلال ايام وفي لبنان خلال شهر ايار، اي قبل الانتخابات النيابية، ما هي الضجة التي سيثيرها هذا الكتاب؟ وما هي الغاية الاساسية منه؟ ولماذا صمت عنه صاحبه حتى هذا التوقيت؟ علما بانه لا يمكن ان يخشى مصير جوزيف فرنجيه، الرجل الكهل الذي خرج قبل فترة على شاشة تلفزيون اورانح تي في ليدلي بشهادته ويقول بانه هو من اصاب جعجع في العملية المذكورة، والنتيجة ان المسكين قتل في ظروف غامضة بعد ايام.
لا احد سيقتل لا بيفيير، وحتى الموساد فقد اعطوه المعلومات برضاهم كما استقبله جعجع برضاه، مما يعمق الاسئلة التي قد يكون احدها: هل ان المصالحة اللبنانية عامة، والمسيحية المسيحية خاصة امر ممنوع في لبنان؟
وهل يراد للمعركة الانتخابية التشريعية الا تمر دون دم؟ ام ان العقلاء سيعرفون كيف يهدؤون النفوس المحتقنة ويوظفون الشحن لصالح صندوق الاقتراع؟