المحامون العرب والدفاع عن النفس …

صحيفة الدستور، 22-12-2003

قدر من الشجاعة، قدر من المسؤولية وقدر من ادراك خطورة الرهان، وتشبث بعدم التخلي عن اخر الحقوق : حق

المهنة.

وتأتي مبادرة نقابة المحامين الاردنيين الى تشكيل لجنة عربية للدفاع عن الرئيس العراقي، فعلا رياديا سرعان ما بدا يجد اصداءه على العديد من الساحات العربية والدولية، فمن محام في لندن الى اخر في فرنساالى اخر في ايطاليا الى اخر في بيروت الخ….

غير ان المسألة بالنسبة للمحامين العرب ابعد بكثير واخطر بكثير من الدفاع عن شخص صدام حسين،انها مسألة الدفاع عن المشروع العربي برمته، بل عن المشروعية العربية، مشروعية الوجود ومشروعية الحقوق، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الاول لا ينفصل عن الثاتية، التي تستحق وتتكون بمجرد تكونه. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان هذه الحقوق انما تعني على مستوى الشعوب والدول اولا واخيرا حق السيادة على ارض الامة وثرواتها واستقلالية سلطاتها الشرعية، خاصة اذا كانت معترفا بها دوليا.

الاميركيون ومن ورائهم اليهود، يريدون من محاكمة صدام حسين ان تتحول الى محاكمة للعروبة وللمشروع العربي المواجه للمشروع الصهيوني، وهذا ما يفسر اصطفاف الغرب كله وراء الولايات المتحدة في هذه القضية ( اضافة الى تفسير المصالح الاقتصادية ) ويريدون نتيجة ذلك من محاكمة صدام حسين ان تتحول الى محاكمة للموقف العربي المبدئي من اسرائيل ( وها هو القذافي يتحول الى احد شهود الادعاء بقبول ربط التطبيع مع الولايات المتحدة بالتطبيع الكامل مع اسرائيل )

والاميركيون ومن وراءهم وحولهم يريدون من محاكمة صدام حسين ان تؤسس لمشروعية الاحتلال الاميركي للعراق، ومشروعية التعاون معه.

واخيرا وليس اخرا، يراد لهذه المحاكمة ان تتحول الى سوق لتوزيع ثروات العراق، باحكام صادرة عن محكمة عراقية، وبمئات مليارات الدولارات من التعويضات على مختلف الاطراف التي تآمرت على العراق بشكل اوباخر،او ما تزال تعقد مع الولايات المتحدة واسرائيل صفقات على رأس هذا البلد.

وبعد ذلك كله فليعدم الرجل تنفيذا لانتقام عراقي – يهودي، او فليترك ليموت بطيئا في الاسر دلالة على »تسامح دولي« وانتصار »لحقوق الانسان« لا فرق.

كل هذا يفسر لماذا كان الاساس الملح هو القبض على الرئيس حيا، والا لاديرت ضده معركة يقتل فيها كما حصل لولديه ( وتلك نتيجة محسومة ) وربما كان ذلك سبب عدم تكليف عراقيين باسره، اذ ربما ساقتهم احقادهم الى قتله وتخريب الخطة الموضوعة بدقة على ايدي ستراتيجيين اميركيين اسرائيليين.

وكل ذلك يفسر لماذا حسم امر المحكمة منذ البداية، على ان تكون محكمة عراقية لان تحقيق الاهداف المبيتة لا يكون ممكنا الا اذا صدرت الاحكام عن العراقيين انفسهم. ولان هؤلاء يمكن ان يكونوا موضوعا لنوعية ضغوط لا يمكن ان تمارس على محكمة دولية.

واذا كان السيناتور جوزيف ليبرمان، اليهودي الاكثر اعلانا لتطرفه في القيادات السياسية الاميركية قد اعلن منذ اليوم الاول ان المحاكمة يجب ان تجري في العراق لان قوانينه تسمح بعقوبة الاعدام، فان تطورات الاحداث قد كشفت ان ذلك لم يكن الا الرأس الظاهر لجبل الجليد، مطلب قطع رأس صدام حسين، في حين ان الجزء الغارق في محيط المخطط الصهيوني و العجز العربي انما هو قطع رأس العراق ومن ثم قطع رأس المشروع العربي برمته.

انها المسؤولية التاريخية الكبرى التي يواجهها المحامون العرب( وبينهم المحامون العراقيون حتما )، والتي تتجاوز شخصا بذاته، وتنتقل الى حيز الدفاع عن النفس بالمعنى الوطني والتاريخي والوجودي.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون