الطريق الثالث

صحيفة الدستور، 07-10-2003

دائما كانت التوازنات تفترض طريقا ثالثا ، خطا ثالثا ، فعندما كان العالم ينقسم الى معسكرين : الكتلة الشرقية والغرب نشأت منظمة عدم الانحياز ، وعندما سقطت الكتلة الاولى واصبح العالم احادي القطب اصبح مصطلح عدم الانحياز ، كما مضمونه غير ذي معنى ، اذ بدا ان العالم كله انحاز الى صف واحد ممتد وراء القيادة الاميركية ، وفي حين بدا ان احتلال العراق سيكون التكريس القطعي النهائي لهذا الاصطفاف، تتكشف النتائج الان عما هو عكس ذلك تماما ، اذ ان الغرق الاميركي في المستنقع العراقي، والمأزق الذي يتعاظم يوما بعد يوم ، على الصعيد الاميركي الداخلي او الخارجي ، جاءا ليعيدا العالم الى تعددية الاقطاب ، وليكسرا الغطرسة الاميركية امام الحاجة الى مساعدة اوروبية روسية .

لكنها منافسات عادت لتدور بين اهل البيت الواحد ، أي بين الاعضاء الخمسة الدائمين الذين حصدوا دائميتهم هذه نتيجة انتصارهم في الحرب العالمية الثانية (هذا على الصعيد الديبلوماسي الدولي) او بين الدول الصناعية الرئيسية ( على الصعيد الاقتصادي)

امام واقع اعادة التشكل الدولي هذه كان لا بد ان تبرز قوى اخرى ثالثة، قوى غير الصين التي يعرف الجميع موقعها وطبيعة العلاقة الاشكالية التي تربطها بالغرب ، اذ تضعها في مواجهة الولايات المتحدة الاميركية ايديولوجيا وسياسيا واقتصاديا ، وفي تعارض اشكالي مع اوروبا التي ترفضها ايديولوجيا وتحاول ان تقيم معها رغم ذلك علاقات خاصة ، كما تفعل فرنسا التي اعلنت هذا العام »عام الصين« على المستوى الثقافي .

قوى اخرى اذن …..

وها هي لم تتأخر في البروز ، فمن كانكون الى الامم المتحدة اتضح دور المحور الثلاثي : الهند- البرازيل جنوب افريقيا ، ( والعارفون يقولون ان البرازيل بدأت في العمل على هذا المحور منذ مفاوضات منطقة التجارة الحرة لدول اميركا الشمالية ونجحت في الوصول الى جنوب افريقيا عن طريق موزامبيق )

في كانكون بدا دور المجموعة فاعلا جدا على الصعيد الاقتصادي ، وتركزت شعاراتها في ثلاث : اصلاح التجارة الزراعية – حقوق الانسان الحق في التنمية -، لكن مطالب المثلث الذي وصفته اوساط الامم المتحدة بانه : قوي جدا ، لم تقتصر على الاقتصاد ، حيث انتقل الى الامم المتحدة ليطرح مطالب سياسية دولية من مثل اصلاح وتعديل مؤسسات المنظمة الدولية .

وايا تكن التحليلات المحيطة بتحرك هذا المثلث ، فان تشكله اضافة الى مجموعة السبع والسبعين القائمة في الجمعية العامة ، ووضعهما في اطار التحولات الدولية ، يؤكد ان ثمة ارهاصات تشكل نظاما عالميا جديدا ، جديدا جدا ، يعني انه يختلف عن ذلك الذي تم التبشير به بعد الحرب الاميركية الاولى على العراق، وربما لن يكون تبلوره متأخرا عن تبلور الحالة العراقية ، كما انه لن يكتمل بدون اكتمال تحولات اخرى في العالم العربي ، مما يحرك فينا سؤالا واحدا وخطيرا : اين العرب في هذا المخاض كله ؟

الم يكن تشكل حركة عدم الانحياز برأسين احدهما جمال عبد الناصر ؟

هل يعقل اننا اصبنا بالعقم الى هذا الحد ، ام انه الاجهاض المزمن الاسوأ من العقم ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون