هل خرج التاريخ من فخذ جوبيتر أم من خاصرة النيل؟
»طريقنا يبدأ من بغداد«
»كي يعمل الدماغ جيدا، وتبقى الذاكرة سليمة، لا بد من عنصرين: الغلوكوز والاوكسجين« اية مفارقة ان تكون هذه العبارات الثلاث، عناوين لثلاث قضايا شغلت العالم الغربي واعلامه هذا الاسبوع وان تأتي في مطبوعة واحدة.
ففي حين جاءت العبارة الاولى استهلالا لتقرير مختص عن معرض اركيولوجي يقام حاليا في نيويورك تحت عنوان »ولادة التاريخ- نشوء المدن« ويتركز في جزئه الاكبر على الحضارة السومرية، جاءت العبارة الثانية عنوانا لكتاب صدر في نيويورك ايضا وترجم فورا الى عدة لغات، لان صاحبه هو وليام كريستول المنظر الاكثر نفوذا بين الحافظين الجدد الذين يحكمون الادارة الاميركية الحالية، ثم جاءت الثالثة خلاصة لتقرير علمي مطول عن الابحاث التي تشغل الدوائر العلمية في الغرب حاليا، والدائرة حول الذاكرة، امراضها ووسائل الحفاظ علىها وتقويتها.
هناك كانت ولادة التاريخ، والباحث الجديد الذي اعاد صفة الرحم من فخذ اله الاغريق الى خاصرة اله السومريين، مقيما بذلك عدالة علمية انسانية، ان انكرتها السياسة اقرتها الحضارة الانسانية، لم يقل الا ما قاله كرومر الكبير »كل شيء بدا في سومر«.
وهناك يراد لمرحلة جديدة من التاريخ ان تبدأ، مرحلة حدد كيستول ملامحها الايديولوجية، بالاستناد الى استراتيجية البيت الابيض للامن القومي« كما قال، بحيث جعل المعلقين يصفون كتابه بـ »توارة المحافظين الجدد« ملامح تبدأ بالجذور الاخلاقية والدينية، لتنتقل الى مفهوم الحرب الوقائىة، الى حرية اختيار الهدف، الى احادية القوة العظمى القائدة للعالم والى ما يحل القوة محل القانون ويحطم المبادىء التي قامت عليها الامم المتحدة وحقوق الشعوب ومفهوم السيادة والقانون الدولي.
فهل تحتاج هذه البداية الجديدة الى شيء اكثر من تعطيل الدماغ والذاكرة، او بالاحرى الى تحديد مسارات عملهما وفعالياتهما بطريقة انتقائىة تحويرية تخدم النهج الجديد؟
وبسؤال معكوس: هل تحتاج مقاومة هذه المصادر والحفاظ على الذات وكرامتها وافق تطورها الى شيء اكثر من صيانة العقل والذاكرة؟
الم يكونا كافيين يوما، ليجعلا موزارت يسرق سر الميزيرير؟
تلك المعزوفة التي كانت تعتبر بنظر الفاتيكان سرا من اهم اسرار الدولة، تعزف مرتين فقط في العام في كنيسة سيكستين وتتخذ ادق الاحتياطات لمنع تسرب نوتتها، بما في ذلك اخضاع العازفين لقسم السرية تحت طائلة العقوبة، الى ان حضر الصلاة يوم 11 نيسان 1770 صبي في الرابعة عشرة من عمره، خرج ليكتب النوتة كاملة دون خطأ.
كان اداة موزارت الصغير في اقتحام المحرم ذاكرته ومنها تفجر ابداعه.
هكذا الامم كما الافراد تفجر ابداعها من ذاكرتها وتخسره باضعافها وتفقده ان فقدتها.
لكن، الا يشترط العلم والحياة لذلك توفر الغلوكوز والاوكسجين؟
اللقمة والحرية.