الجدار!…

صحيفة الدستور، 30-08-2003

لم تنقله الينا اية شاشة عربية، او على الاقل، لم اشاهده انا على شاشة عربية.

لكنني صدفة ادرت التلفاز على القناة الفرنسية الخامسة، ورأيته جملة وتفصيلا.. ضخما كأرييل شارون، ثقيلا كدبابة، وحاجزا كليل ظلام.

اربعون كيلومترا مكتملة، ومئة كيلومتر تكتمل نهاية الشهر، وتلاثمئة وخمسون كيلومترا قائمة في المخطط الاسرائيلي الذي سيتحول الى واقع.

والسؤال: لماذا مر الجدار الذي يجمع صورة برلين وصورة جنوب افريقيا معا، هكذا ملفعا بالصمت؟

لماذا لم تثره وسائل الاعلام الاوروبية ورسائل الانترنت الا مؤخرا، ولم يثره الاعلام العربي حتى الآن؟

بل ولماذا لم يثره القادة الفلسطينيون انفسهم، ولم يضعوا وقفه شرطا اساسيا مسبقا لاية عملية تفاوض.

في العقبة، قيل ان ابو مازن طرح القضية مع كولن باول، وان الوزير وعده باثارة الموضوع مع الاسرائيليين عند مناقشة قضية الاستيطان. لكن اعمال الانشاء على الارض مستمرة ونشطة، وما ان يأتي اوان مناقشة زواج البنت حتى تكون قد وضعت مولودها من زوج آخر.

والجدار، ليس مجرد جدار.. بل هو جرافة زاحفة، جرى تعديل خطه عدة مرات كي يضم وراءه الغالبية العظمى من المستوطنات والمستوطنين، اي الجزء الاكبر من اراضي دولة فلسطين المقزمة اولا الى حدود ،1967 والمقزمة ثانيا والى ما لا نهاية، الى ما يتركه المشروع الصهيوني من اراضي 1967.

وامام الجدار، رجال ونساء، صودرت اراضيهم تحته او وراءه، واطفال صودر مستقبلهم، وناس يقطع الاسمنت المسلح المكهرب تواصلهم، ينتصب وسط شريان حياتهم ويوقف دورتها ويقال لهم انهم سيمنحون دولة قابلة للحياة.

ويقول عابث، مداريا عجزه: »جدار برلين وسقط..«

لكنه لا يسأل نفسه: ما الذي اسقط جدار برلين وكيف؟

ولا يتذكر ان من شرق وغرب برلين ظلت المانيا هي المانيا: شرقها وغربها، وان بنظامين مختلفين، لذا كان سقوط احدهما كفيلا بسقوط الجدار.

هنا الامر مختلف، واذا كان هناك من يراهن على وجه شبه ظاهر، هو ان سقوط الامبراطورية السوفيتية ادى تلقائيا الى سقوط نظام المانيا الشرقية، وكذا سيكون ضعف الامبراطورية الامريكية دافعا لسقوط اسرائيل.. فإن ثمة عنصرا اساسيا من المقارنة يغيب عنه، وهو ان المشروع الصهيوني لم يقم مع قيام الامبراطورية الامريكية، ولم يعتمد عليها الا لاحقا وحتى في هذا الاعتماد فإن لوبيهاته هي التي تسيطر عليها وليس العكس.

هل يعني ذلك دعوة الى اليأس من دحر الحلم الصهيوني وجداره؟

لا .. اطلاقا، بل هو تأكيد على ان المواجهة هي اولا هنا، وثانيا على جميع الساحات التي يمكن ان يدور عليها الصراع مع النفوذ الصهيوني من الساحات الخارجية المؤثرة الى الساحات الداخلية في مختلف اقطار الامة، حيث الخطر في جدران تتهاوى لا في جدار يرتفع.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون