الجامعات والمجندات!

صحيفة الدستور، 24-06-2003

صباح الخير

وكيف يمكن للخير ان يهل من صباح يشدك مع الاستفاقة الى المذياع او التلفاز، كما مدمن مازوشي الى حفلة تعذيب؟

تعذيب يعبر العين وآخر يخترق الاذن، ليطالا كل ما في الروح من مكمن.

نار وموت، دمار وايد مربوطة الى الوراء بسلك مطاطي اقتسمه مناصفة، هو هو.. جندي في فلسطين وآخر في العراق. هذا يدفع المعتقلين الى الشاحنة، وذاك يبطحهم ارضا على الوجه.. اية نار تلك التي تشعل الرأس وتسري في الشرايين!

وامرأتان:

سيدة انيقة، تعلن من على منصة اليونسكو في باريس تخصيص صندوق لتنمية التعليم العالي في العراق، بتمويل دولي، اول المتبرعين له، بلادها، دولة قطر، بخمسة عشر مليون دولار. صندوق للتنمية، أم سخرية القرن، ام تحطيم كرامة؟

اين كان هذا العالم اليونسكوي كله، يوم كانت التقارير الاممية تشير في الثمانينات الى احتلال العراق المرتبة الاولى في العالم الثالث على سلم محو الامية، واحدى المراتب الاولى في العالم على سلم التعليم الجامعي والدراسات الابداعية والعلمية؟

اين كان العرب جميعا، عندما كان العراق يرفع الريادة في الفنون والاداب والعلوم، في المسرح والكتاب والموسيقى والمنحوتة واللوحة و…

ويبني مشروعا نهضويا للامة كلها، بكل ما في النهضة من فروع ووجوه، فيتهافت عليه كل العرب للتعلم؟

مشروع قال جان بيير شفينمان في كتابه المفسر لاستقالته عام 1991 بانه كان وراء تكالب الغرب على تدميره، كما تكالب مرتين في السابق على مشروعي محمد علي وجمال عبدالناصر.

بل وحتى في ظل الحصار المر.. الم يكن العراق يصدر نخبة الاساتذة الى جميع الجامعات العربية ويستقطب الطلاب من جميع اقطار الامة؟

فما الذي حصل الآن؟ هل مات العراقيون جميعا وضاعت معارفهم، وفرغت جامعاتهم، مع اجتياح المغول الجدد لعاصمتهم؟

هل احرقت قدراتهم مع حريق مكتبتهم الوطنية في بغداد، ومكتبة جامعة الموصل؟

هل المطلوب ان يعبد هؤلاء البرابرة تأهيل العلماء والشعراء والفنانين العراقيين الذين هزوا العالم؟

وبماذا؟

بصندوق تمويل اجنبي؟

لماذا؟ واين ذهبت ثروات العراق التي سال لها لعاب النيوليبراليين حتى تحول الى طوفان لزج مهووس ومحموم؟ الجامعات العراقية تحتاج الى تطوير؟

فأين مليارات العراق التي كانت محجوزة في الخارج؟ واين مليارات المليارات التي يختزنها الداخل؟

وماذا تعني ملاليم الخمسة عشر مليونا وما يمكن ان يليها من مثيلاتها لبلد كانت هديته لزيارة ملك خمسة وعشرين مليونا؟

لماذا الصندوق إذن؟

للتطوير، ام لجعل التطوير مرتبطا بالاجنبي، نزعا للكرامة الوطنية، ونزعا للقرار الوطني، ونزعا للخط القومي التأصيلي، للنخاع الشوكي من العمود الفقري للمناهج.. بل وللعمود الفقري كله.. ليصبح الناتج – كما مطلب العولمة الاميركية – الاسرائيلية: تكنوقراط جيدون، مفرغون من اية جذور، من اي لون او طعم او رائحة…

وكل ذلك تحت ذريعة وهم اسمه الديمقراطية.

اية ديمقراطية، تلك التي نموذجها انتخابات بوش وآل غور، وسؤال كم ثمن الرئيس؟

تطرحه عنوانا واحدة من اهم المجلات العالمية.

ثم ان نبأ تغيير مناهج التعليم كان النبأ الذي سبق سواه خلال اليومين التاليين للاحتلال وجاء فيه ان لجنة صياغة المناهج الجديدة منكبة على عملها وقد خصصت لها الادارة الامريكية خمسة وسبعين مليون دولار، فهل يأتي صندوق اليونسكو الان لدعم تطبيقها او بالاحرى فرضها؟

واخيرا الم يكن مطلب تغيير مناهج التعليم في صدارة المطالب الاسرائيلية عند اي تفاوض مع العرب؟

واذا كان من يقوم بوضع الدستور العراقي الجديد هو نوح فيلدمان اليهودي التلمودي الارثوذكسي فمن الذي وضع ويضع المناهج الجديدة؟

اسئلة الصباح المرة، ووجه المرأة الاخرى مجندة امريكية تدشن اعادة افتتاح المسبح الاولمبي العراقي امام المجندين الامريكيين وفي طليعتهم المجندات.

اي هول.. اي اذلال متعمد يمارسه علينا الاعلام!!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون