رغم الهيمنة الاميركية، ورغم الانصياع الكامل، لم يتقبل اعضاء مجلس التعاون الخليجي فكرة ضم العراق الى مجلسهم، واعتبروا نها تخلل ما اسموه » التركيبة المنسجمة، اجتماعيا وسياسيا و اقتصاديا«
الذين ارادوا تبرير ذلك بالقول ان سبب هذا الرفض يعود الى اعتبار المجلس بمثابة ناد مغلق، يواجهون الرد السريع من خلال طرح انضمام اليمن، حيث طرح الموضوع وسارعت عمان الى اعلان تاييده، وقبل الاخرون مبدا مناقشته . وموضوع اليمن يرد ايضا على مبررين اخرين هما الاقتصادي والطائفي، حيث ان اليمن تتشكل طائفيا من اغلبية زيدية، اي شيعية بشكل ما، كما انها من الناحية الاقتصادية تعتبر بلدا فقيرا لا يرقى الى المستوى الاقتصادي الترف الذي تعيشه دول الخليج الاخرى .
واما الذين مضوا في تحليل الموضوع الى ان فكرة ضم العراق قد تمهد الطريق الى فكرة ضم ايران، وذلك ما يعني القضاء نهائيا : ديموغرافيا وطائفيا وثقافيا على الوجود الفعلي للخليجيين الحاليين داخل مجلسهم، فان تحليلهم قد يكتسب قدرا من المنطقية، حتى ولو بدت منطقية بعيدة المدى لان ذلك الافتراض لا يصبح واقعيا الا بعد سنوات وربما عقود طويلة، ولكن متى كان مجال السياسة الاستراتيجية اقصر من ذلك ؟
غير ان ادراك طبيعة هذا المدى لا تمنع من مناقشة الحاضر واستنباط دلالاته، قبل تناول المستقبل، وبالعودة الى الماضي .
فالاسباب الموجبة التي فرضت قيام هذا المجلس لم تكن في حينها نابعة من توجه وحدوي عروبي او حتى خليجي، ولا من وعي لاهمية التكتلات الكبرى على الاقل في المجال الاقتصادي بقدر ما كانت تتمثل فيما اعلن عنه من حماية دول الخليج من تصدير » الثورة الايرانية « وخطر » التهور العراقي«.
واذا كان ظاهر الامر يقول بان هذين المصطلحين لم يعودا ذوي دلالة حقيقية، فان ذلك لايعدو الظاهر والسطحي فقط لان هذه العلاقة الجيوستراتيجية التي تحكم المنطقة لم تتغير منذ اقدم العصور، حتى ولو اتخذت في كل عصر شكلا من الاشكال ومسميا من المسميات حسب المرحلة، فليس صدام حسين اول من طالب بعودة الكويت الى العراق، لدرجة ان بعض الباحثين الغربيين يعتبرون ان احد اسباب سقوط الحكم الملكي يكمن في ان نوري السعيد كان قد تحصل من البريطانيين على وعد بذلك. وليست العين الفارسية على منطقة الخليج والعراق بجديدة، منذ اذينة وتدمر الى ايام العرب الى عصر الاسلام، الى عدم تمكن التاريخ كله من حسم تسمية هذا الخليج » الفارسي العربي .
صحيح ان طبيعة المطامح والعلاقات قد تكتسي شكلا اخر، فليس هناك من يستطيع تخيل ان تشن العراق حربا على الكويت او ان تدخل في اخرى مع ايران خلال التاريخ المنظور، وليس هناك من يتخيل ايضا ان الاخيرة ستعمل على تصدير الثورة الخمينية كما كان الحال في الثمانينات، ولكن اليس ضبط طهران للتحرك الشيعي في العراق الان، مع كل ما يخفيه من صراعات غير معلنة بين شيعة العرب وشيعة ايران من العراقيين، شكلا اخر من اشكال تاكيد النفوذ الايراني، قد نسميه «تصديرا سلبيا للثورة « وقد نسميه استمرارا ما للحرب العراقية الايرانية ، وبامتداداتها الخليجية؟
لكن اهم ما في هذا الموقف الخليجي، بالنسبة لنا هو ان هذه العبارة الواقعية جدا » التركيبة المنسجمة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا « لدول الجزيرة العربية، تعكس بشكل واضح حقيقة توزع العالم العربي على اربع وحدات تاسيسية هي : الجزيرة والمغرب ووادي النيل وسوريا الطبيعية، حقيقة لم يعد تجاهلها يفيد ولم يعد الاقرار بها يسمح بالخوض في شتائم الاقليمية التي طالما ضجت بها سنوات الخمسينات التي كانت وراء كوارث ما تلاها .
لم تعد تهمة تفكيك الوحدة العربية بل هي الطريق المنطقي والصحيح للوصول اليها، فما يتشكل من موحد وقوي يكون موحدا وقويا، وما يفتعل تشكله من فتات يبقى مفتتا ومعرضا للتفكك والانهيار .
واذا كان الخليجيون والمغاربة يحاولون لاسباب او لاخرى ان يتحركوا في هذا الاتجاه، ولا يتوانى المصريون عندما يبرز امر يخص السودان من اعلان ان ذلك يتعلق بالوضع الوجودي الاستراتيجي لمصر، فقد كنا نحن في سوريا الطبيعية اخر النّوم.
واذا كان الاميركيون يطرحون الان ضم العراق وايران لمجلس التعاون الخليجي، فذاك صلب الاستراتيجية المهياة لما سوق لتسميته » الشرق الاوسط الجديد « الذي تسلخ فيه دول الثروات عن دول الفقر، وتخرب فيه الجغرافيا والتاريخ تخريبا كاملا يشل كل امكانية للحركة، وكل ذلك تحت النير الاميركي والاغتصاب الصهيوني .
فهل سيستطيع اعضاء مجلس التعاون ان يصمدوا امام ضغط اميركي قد لا يبلغ حده الان لانه ينتظر ان يصار الى تقسيم العراق الى امارات جزيئية على النمط الخليجي، لايضير تجزيؤها الاستهلاك في حين يلغي الاقتدارالسياسي ؟
وهل يتنبه الجميع نتيجة ذلك خطورة قضية التجزئة ؟