اصيح بالخليج

صحيفة الدستور، 19-03-2003

اصيح بالخليج يا خليج.

يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى، فيرجع الصدى،

كأنه النشيج:

يا واهب المحار والردى…<

>بدر شاكر السياب<

 

كأنه النشيج:

يا واهب القهر والاذلال والردى..

كأنه النشيج!!

صدى صوت القاذفات الامريكية ينفث حمما على تاريخ امة عاموده الفقري قيمة اسمها الكرامة!

بل صدى صوت البساطير الامريكية على تراب امة مياهه الجوفية مزيج من كبرياء وكبرياء!!

كأنه النشيج! ولم يكن لشاعر ابي الخصيب ان يكمل القصيدة على ايقاع هذه الاصداء تزحف الى مدينته اولا.. الى البصرة!

هناك في المدينة العابقة بالتوابل والتاريخ. بالجاحظ وابن المقفع سيكون نصب السياب بين المقاومين، وبين الاهداف التي حددتها طائرات ب 25 اذ هي الحضارة التي يجسدها العراق لا النفط وحده، ما يثير الحقد الزاحف على العراق: حقد لقطاء الحضارة على مؤسسيها، وحقد الخط اليهودي المتجدد صهيونيا ضد الخط السامي الحقيقي: خط الماء وقيمها الانسانية، مقابل خط النار وقيمه الحاقدة، تطبيقا لما قاله مناحيم بيغن بعد كامب ديفيد: >حتى ولو حصل السلم السياسي بين اسرائيل والعرب، فإن الصراع بين الحضارتين سيظل قائما الى ان تنتصر احداهما على الاخرى<.

لم يكن هذا التصور غريبا على الانسان العربي، لكن، هل كان من الممكن لاي منا ان يتصور ان يكون تدمير العراق منطلقا من الخليج؟

هذا الخليج الذي وهب الاسلام للعرب فحررهم من البيزنطيين والفرس، ووهبه للانسانية فحررها من اشياء كثيرة، هل كان له ان يستبدل الفتح العربي الاسلامي، بالفتح الامريكي البريطاني.. ولعاصمة العباسيين.. لينطلق منه استعباد العرب كلهم والعالم، لا للنير الامريكي وحده وانما تحقيقا لمقولة >من الفرات الى النيل..< ترى النيل الذي وهبنا مصر يمكن ان يهب مصر غدا ليهوه؟

الم تكتب معاريف: >ان بعد العراق سوريا وسائر الشام والسعودية، اما مصر فهديتنا الكبرى<؟

من الذي يهب ولمن؟

من الذي يملك ليهب؟

الارض ملك لشعوبها، والشعب استمرار اجيال من البدء والى ما لا نهاية، فمن الذي يحق له، الاّ حق الدفاع عنها، دفاع المؤتمن عن الامانة؟

فكيف اصبحت ارض العرب مرتحلا بين محتل ومرشح للاحتلال؟ بين محتل برضاه ومستهدف للاحتلال بالنار والدم؟ وكيف اصبحت قيمة الكرامة مناقضة لقيمة العقل؟ رحم اللّه الكواكبي و>طبائع الاستبداد< الاستبداد الذي يقلب الطبائع والقيم عندما يصبح مركبا.

من السياب الى الكواكبي، يتدفقون عنوة، يقفزون الينا من قبورهم، مظاهرة هائلة لا تميز فيها بين المتنبي وخليل حاوي، تمّحي الفوارق من ازمان وامكنة واتجاهات، اذ ينحصر المكان في وجود اسمه الوطن، ويمتد الزمن في وحدة هي الاستمرار، ويدرك كل من يعي ذاته. ان هذين اللذين يشكلان الذات هما وحدهما المستهدفان، واما من يرضي ذله بالتلهي بالرغوة والزبد، فباستطاعته ان يعطي للامور كل التفسيرات والحجج.

كأنه الصدى!

الصدى لما يريد المعتدون ان يغطوا به طمعهم وحقدهم.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون