اسئلة مرة!!

صحيفة الدستور، 11-12-2003

بعد حرب 1991باسبوع نشرت مجلة لو موند ديبلوماتيك دراسة ميدانية اجرتها باحثتان حول سبب وقوف الشارع عربي وراء صدام حسين ، وخلصنا الى استنتاج اساسي ان الرجل قد مثل للعرب صورة الكرامة التي تحتل المرتبة الاولى في سلم القيم العربي ، فاين كرامة العرب الان ؟ هل اسرت معه امس ؟ علما بان السؤال لم يكن ليرد لو ان العراقيين انقلبوا أو ثاروا عليه واعتقلوه او اسروه .

بعد اسبوع من احتلال العراق عام 2003 كانت رابطة الدفاع اليهودية ، التنظيم الاكثر تطرفا بين المنظمات اليهودية الصهيونية، والتي صنفتها الشرطة الفدرالية الاميركية منذ عام 1986 في المرتبة الثانية على قائمة المنظمات الارهابية في اميركا ، توزع بيانا على الانترنت تعبر فيه عن ابتهاجها بسقوط العراق وتشيد بمن اسمتهم »صناع الحرية« من العراقيين الذين تعاملوا معها على مدى عملهم في معارضة النظام العراقي ، مطالبة اياهم بالوفاء بالتزاماتهم لها من حيث الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها ومنح الجنسية المزدوجة لليهود الخ…

وعادت الرابطة نفسها لتكرر ذلك في اكثر من بيان معددة اسماء »صناع الحرية« مركزة بشكل اولي على نوري عبد الرزاق حسين ، الذي كان له الفضل – حسب البيان المذكور- في ادخال اسرائيل الى منظمة الشعوب الافرو- اسيوية، وفضل اخر في تركه مقر عمله في القاهرة كامين عام لهذه المنظمة والانتقال الى لندن للعمل مستشارا ودليلا للقوات البريطانية في حربها ضد العراق ، كذلك كان البيان يركز على اسم فخري كريم (الذي طالما ملأ الصحف وشغل الناس خطبا عصماء في النضال الماركسي، لكنه ، حتى عندما اراد التعامل مع اسرائيل ، لم يتعامل مع راكاح بل مع اكثر التنظيمات الصهيونية تطرفا الى اليمين) ومع هذين اسماء اخرى لم يغب عنها مرة اسم انتفاض قنبر .

قنبر هذا »صانع الحرية« مع رابطة الدفاع اليهودية ، هو الذي اسمعه الان ، من احدى الاذاعات العربية الموجهة للغرب ، يعلق على اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين ، لماذا ؟ اهي احدى مكافاته ؟ ام هي احدى الدلالات الرمزية لطبيعة المبتهجين ؟

الحاكم الاميركي المحتل يقول ان الفحص على صدام حسين اثبت انه غير مصاب بأية جروح ، والصور التي وزعت له ابرزت بوضوح جرحين وبعض الكدمات على جبينه (ونحن لم نر بالطبع الا الجبين) جروح جبينه ذكرتنا بجروح وكدمات على وجه عبدالله اوغلان عندما صور في الطائرة بعد اعتقاله ، وكما دار السؤال يومها حول التناقض بين اصابات اوغلان ومظهره المستسلم بل والمبتهج خلال التصوير ، يدور السؤال الان حول المثيل بالنسبة لصدام حسين . وكما عادت المعلومات لتقول لنا بعدئذ ان اوغلان كان تحت التخدير اضافة الى حقن ما تثير حالا من الهلوسة ، نتساءل اليوم اوليس التفسير الوحيد لهذا الاعتقال بدون مقاومة ولهذا الاستسلام كامنا في عملية تخدير عبر بث الغاز ، عبر دس شيء في الطعام ، عبر الحقن بأبرة ما ، وعبر متعاون او اكثر لا بد من وجودهم وراء العملية ، خاصة وان مراقبة بسيطة لعيني صدام تدل على حالة الذهول الاشبه بالغيبوبة والخدر والتي لا تحمل شيئا من طبيعة نظرة الرجل؟

ثم ، الذي عرض كان شريط فيديو ، والذين يعرفون عملية التصوير والمونتاج يعرفون انه من الممكن تصوير ساعات لاجتزاء ثوان اودقائق ومنتجتها واخراجها بالطريقة والتأثير اللذين يريدهما المخرج .والمخرج هنا هو صاحب الابداع الهوليودي وأفلام الخيال العلمي .فأين الحقيقة؟

بول بريمر قال ان صدام كان مستسلما وهادئا ، وعدنان الباججي قال انه لم يبد أي ندم او تراجع بل وكان متمردا وقال انه كان قائدا عادلا وحازما، فمن أين يأتي التناقض؟

الحديث انتقل الان الى المحاكمة ، فمن يريدها في العراق ومن يريدها امام محكمة لاهاي ، ومن يريدها امام محكمة اميركية ، وما هو جوهر الخلاف ؟

هنا طرفان يحسمان التفسير : الطرف الاول هو اللجنة الدولية لحقوق الانسان حيث يعبر رئيسها ريد برودواي و مساعده كينيث روث ، عن خشيتهما في ان تكون مجرد محكمة انتقام سواء كانت اميركية ام عراقية في الظاهر تمسك الولايات المتحدة بخيوطها الحقيقية على حد تعبير برودواي . والطرف الثاني هو السيناتور اليهودي المتطرف جوزيف ليبرمان اذ يقول بالحرف : هذا الرجل ، الشيطان، يجب ان يحاكم امام محكمة تملك حق الحكم بالاعدام ومحكمة لاهاي لا تستطيع ذلك اذن فليحاكم اما امام محكمة عسكرية اميركية واما امام محكمة عراقية مخولة بالعقوبة القصوى .

مما يستتبع سؤالا اخر : لماذا اعلن قبل ايام فقط عن تشكيل محكمة جرائم الحرب العراقية ؟ وهل يمكن ان يكون ذلك قد ترافق مع ترتيبات الاعتقال ، ام انه من الممكن ان العملية قد تمت قبل التاريخ الذي اعلن؟

والسؤال الاخير يرتبط بسؤال آخر ، لماذا وقع بوش امس بالتحديد على قانون محاسبة سوريا ؟

لا شك ان الضغط الاعلامي المطلق سيؤخر الاجابة على الاسئلة ، لكن مدى هذا التأخير سيرتبط بعوامل كثيرة منها ما سيقابل به الاميركيون الموقف الاوروبي – الالماني – الفرنسي – الروسي ، الذي انضم الى التهليل للانجاز الاميركي لا لشيء الا لاسترضاء الخازندار الذي يحمل في جيبه مفاتيح العقود العراقية المغرية ، فان فتح لهم الباب استمروا في التعمية والا عادوا الى فضحه ، ومنها ايضا تطور عمل المقاومة العراقية خلال الفترة المقبلة .

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون