>حملت الانباء ان الجنود الاميركيين تركوا آلياتهم قرب النجف وهربوا، رغم تفوقهم العسكري<.
لهما عبق خاص! رهبة خاصة! النجف وكربلاء..
لا لانهما مقامان مقدسان لدى ملايين من المؤمنين، فثمة اماكن كثيرة في العالم مقدسة لملايين يؤمن كل منها على طريقته الخاصة.
بل لان التقديس هناك مستمد من الشهادة، من البطولة، من المواجهة.. المواجهة، ليس بين محارب وعدوه فحسب بل بين الشجاعة والايمان من جهة، والجبن والغدر من جهة اخرى..
اعرفهما.. المقامين المقدسين ضريح الامام علي، وضريح الحسين.. واستحضر هذه اللحظة، احساسا غريبا تملكني وانا ادخل مقام الحسين في كربلاء، احساس بثقل هائل من الرهبة لم اعرفه يوما، وبتألب امواج غريبة من الانفعالات جعلتني اجهش بكاء، انا المسيحية ولادة، العلمانية قناعة ورؤية.
واشهد ان الاحساس كان نفسه، ولكن بتوهج اقل في النجف.
ربما لان الجماهير المتألبة المتدافعة كانت اكثر عددا واشد انفعالا في حضرة الحسين، وربما لان التاريخ الكامن في اللاوعي الجمعي التاريخي يجعل من استشهاد الحسين وصحبه، اسطورة تقلب في الوجدان طبقة اثر طبقة لتصل في احداها الى المسيح، وتستمر حتى تموز وبعل وعشتار..
هو الطقس العشتاري.. هو.. هو.. للإله او الامام او النبي الشاب الشهيد، الذي يقضي فداء لناسه وغسلا لذنوبهم.. وحفظا لوجودهم.
هو هو هذا الشحن الانسحابي الاستشهادي، الذي يشكل جوهر حالة لا يمكن للعقل العربي البارد ان يفهمها، فلا يرى فيها الا سلوكا انتحاريا، ومنهجا مرضيا غير مفهوم.
هو هو.. ما تجلى في فلسطين او في جنوب لبنان وفي العراق، وهو الذي يجعل الجنود الاميركيين يتركون آلياتهم قرب النجف ويهربون!
لانه لا يمكن الا لمن رأى الزوار في النجف وكربلاء ان يفهم كيف يمكن ان يقاتل هؤلاء..
الا اذا كان بامكانه ان يتخيل تراثا الفيا، شرقيا وخاصا بهذه المنطقة من العالم، بهذه الامة بين الامم.. وان يفهمه!
فمن جهة جندي يقاتل كقطعة او كمسمار في آلة هائلة، ومن جهة مقاوم يعرف كفرد ماذا ومن ولماذا يقاتل.. ويؤمن بما يفعل.. حتى الموت!
وسواء انتصر الاميركيون ام هزموا فلن يقولوا عن هؤلاء الناس الا انهم مجانين.. ولن يفهموا!