المنطق الحسابي البسيط يقول ان خمسة زائد خمسة تساوي عشرة، لكن هذه المعادلة – اذ اصبحت عنوانا لمؤتمر الدول المطلة على المتوسط في شماله وجنوبه الغربيين، انما تساوي اثنين، يحار بينهما الثالث او يحاران حوله.
لا بل ان الدقة تقتضي انه هو الذي يحار اما هما فيعرفان تماما ماذا يريدان منه.
اوروبا من جهة، والولايات المتحدة من جهة، والرهان على المتوسط هو الرهان بين ضفتي الاطلسي، ولاجله يتبارى كولن باول وجاك شيراك في لعبة الكراسي على ارض المغرب العربي حيث يخوض شيراك رهانين معا: الاول على دور فرنسا وموقعها في اوروبا، والثاني على دور اوروبا في العالم.
هذه المباراة اضطرت الرئيس الفرنسي، خلال زيارته الاخيرة الى تونس، الى تقديم تنازل ، تبعه فيه الرؤساء الاوروبيون الاربعة الاخرون، وهو السكوت عن موضوع حقوق الانسان وعدم ورود اية اشارة اليه لا في خطاب شيراك ولا في خطاب المؤتمر، مما اثار الكثير من الجدل والاستنكار سواء في صفوف المهاجرين المغاربة الذين يعتبرون غياب الديمقراطية والفقر والتخلف سبب تشردهم، كما يعتبرون الانظمة القائمة مسؤولة عنه، وسواء في صفوف الفرنسيين الذين يعتبرون ان موقع فرنسا وحضورها على الخريطة الدولية انما يرتبطان بصورتها كبلاد حاملة لقيم الحرية والعدالة وحقوق الانسان وبدورها في المطالبة بذلك والدفاع عنه.
واذ تصبح التضحية بموضوع حقوق الانسان، مادة مرهونة بالظروف، تثار حيث تحتاج المصلحة احراج الحكم، وتوضع جانبا حيث تقتضي المصلحة استرضاء النظام المعني او التستر عليه، فانما تلحق اوروبا بالولايات المتحدة، وربما كانت تعود بذلك الى تراثها الاستعماري القديم، وتقيم مساومة واضحة مع الانظمة على حساب الشعوب، فمقابل تصدر موضوع الارهاب البيان الختامي للمؤتمر، وهو ما يرضي تماما الحكومات المغربية لانه يعطيها فرصة التنكيل بكل معارضيها باسم مكافحة الارهاب، نجد بندا اخر يؤكد على تنظيم الهجرة ومكافحة الهجرة السرية او غير المشروعة، وهو ما يرضي اوروبا وحكومات الدول المطلة على المتوسط، ونجد الى جانب ذينك البندين بند التأكيد على الشراكة المتوسطية.
غير ان هذه الاعلانات النعامية لن تؤدي في الواقع لا الى مكافحة الهجرة ولا الى مكافحة الارهاب، لان المنطق البسيط يقول ان المكافحة تعني القضاء على الاسباب، والاسباب هنا واضحة وبسيطة بقدر ما هي معقدة، غياب العدالة: العدالة الفردية والعدالة الوطنية الدولية، وامتهان الكرامة: الكرامة الفردية والكرامة الوطنية، وغياب التنمية الحقيقية التي لا يمكن ان تتحقق مع الفساد والديكتاتورية. وحضور هائل دامغ هو حضور الاحتلالين الاسرائيلي والاميركي.
واذا كان علماء الجيوبوليتيك يقولون ان من يسيطر على المتوسط انما يسيطر على العالم فان هذه الغيابات هي اول المسيطرين الان على المتوسط العربي ولذا فان نتائجها ستبقى مسيطرة على العالم الذي فقد منطقه الحسابي، فجعل كل المجاميع تساوي واحد ة امبراطورية، وجعل التنافس على الغاء المعادلة يمضي الى استبدال واحد باثنين او ثلاثة، وجعل كل حفنة من ملايين العرب تساوي واحدا، ومن انكر التوحيد كافر يستحق الجلد.
سبحان الواحد الاحد !!