اذا كان للمفردات اضدادها، فان مفردة اعتقال تتقابل مع اطلاق..
وفي الوقت الذي تطالب فيه اسرائىل باعتقال مناضلي الانتفاضة، تعلن اطلاق الاستيطان في القدس وقلقيلية.
مئة وعشرون مقابل اربعمائة وست وتسعين.
مقابل كل مناضل تعتقله السلطة حوالي خمس وحدات استيطانية تطلقها سلطات الاحتلال.
لكن اوليس كله، اعتقالا، في العمق: هذه تقوم باعتقال البشر لحساب تلك، وتلك تقوم باعتقال الارض لحساب المشروع الصهيوني. »اعتقال« يجعل القدس تمتد بحسب الياهو سويسا الى ابواب دمشق.
سويسا هذا متشدد يميني يقول الذين يفضلون النعامة على زرقاء اليمامة لكنه وزير في حكومة تضم زعيم »المعتدلين« للخارجية. في عملية توزيع ادوار بارعة: الارهابيون المتشددون لتوجيه الوحشية والاحتلال والاستيطان هنا، و»المعتدل« حامل نوبل للسلام، لمسح الغبار الاسود الذي المّ بوجه »واحة الديمقراطية وحقوق الانسان« في الخارج.
واما الاستيطان – جوهر القضية كلها – فينطبق على التمييز بخصوصه، ما كتبه جوفري ارونسون، مدير مركز دراسات الاستيطان اليهودي في فلسطين، في واشنطن في صحيفة لوموند ديبلوماتيك خلال حكم نتنياهو: »الفرق بين العمال والليكود ان العمال يعلنون عن عشر مستوطنات ويبنون مئة، في حين يعلن الليكود عن مئة ويبنون عشرا«.
لان القضية لم تكن، ولن تكون يوما الا قضية الارض، فهي جوهر المشروع الصهيوني الذي لا يمكن ان ترتد عينه عن بوابات دمشق وبغداد ومن في طريقهما، الا عندما يشعر الناس الذي يحملون هذا المشروع بأن ثمة خطرا حقيقيا يتهدد امنهم: خطرا يجعل واحدهم يخاف الذهاب الى السوق للشراء او للتنزه يخاف ركوب سيارة اجرة، ويقود سيارته الشخصية وهو يتلفت قلقا، يخاف الخروج الى الشرفة لسقاية زرعه او الى الغابة لنزهة كلبه.. والاهم يخاف ارسال ابنه الى الخدمة العسكرية التي قد تقوده الى مناطق الاشتباك مع هؤلاء العرب الذين لا يخشون الموت.
فبعد تحرير لبنان قال السيد حسن نصر الله: »انتصارنا يعود الى اكتشاف بسيط هو اننا لا نخاف الموت في مقابل عدو يخشاه بجنون«.
لانهم كذلك لا بد ان يشعر هؤلاء المستوطنون بان كل الاحزمة الامنية والطرقات الالتفافية، والاسلحة التي يحملون لن تحفظ لهم امن السارق، المصادر لارض سواه.
عندها لن يتوقف التوسع فقط وحتى لو استمر فلن يجد من يسكنه، اذ يشعر هؤلاء القادمون الى حلم الرفاه والسمن والعسل بأن بلدانهم التي جاؤوا منها متنكرين لها هي افضل لامنهم وحياتهم.. او على الاقل قد يشعرون في مرحلة اولى بأن الانكفاء الى داخل »اسرائىل« الدولة قد يشكل حماية لهم.
ويبقى للزمن ان يفعّل ما يشكله هذا الانكفاء من ازمات لا تحتملها الفسيفساء التي لا يجمعها على خريطة اللوحة الصهيونية الا لاصق اسطوري: هو الوعد الذي لن يتحقق..
وربما ادى انهياره وانكشافه الى انهيار الاسطورة الاخرى الغريبة التي شكلت عبر القرون سبب عدم قدرة اليهود على ان يعيشوا كباقي الناس، »ان يذبوا كما فعل الكنعانيون« على حد تعبير الكاتب المستنير اسرائىل شامير وكما فعلت جميع شعوب الارض.
ويكون لنا فضل تحرير اليهود من ازمتهم ليقتنعوا ان كل البشر، لا هم وحدهم، ابناء الله، سواء امام وجهه. وبذلك يتحرر العالم كله بدمائنا نحن من المعضلة اليهودية. ويكون تحرير العالم من اليهود بتحرير اليهود من يهوديتهم كما يقول روجيه غارودي.