معاناة ايان

شؤون دولية، 19-07-2001

لم يكف كل الضجيج المفتعل الذي اثير حول الطفل الكوبي ايان، في العام الماضي، لنرى بعض وسائل الاعلام الغربي تثير تقريرا »يفطر القلب!« على الطفل العائد الى كوبا لانه يخضع بحسب تعبيرها الى نوع من »استغلال الاطفال« (Child abuse) الذي تدينه المنظمات الدولية الخاصة بالطفولة.

اما كيف؟ فذاك لان الحكم الكوبي جعل منه رمزا لانتصار محدد على الولايات المتحدة، ومنحه شهادة تجعل الصحفيين يلاحقونه حتى في مدرسته، والتلفزيون يستضيفه او يعرض صورته في اكثر من مناسبة. اما الطامة الكبرى فهي ان الرئيس كاسترو حضر عيد ميلاده لهذا العام مما حول العيد الخاص بدوره الى مناسبة اعلامية وطنية…

وهكذا لا يستطيع ايان المسكين ان يعيش حياته الطبيعية، بسبب ابتزاز النظام الكوبي.

اذن، فالاستنتاج التلقائي من هذا الوصف المؤثر هو انه كان من الافضل لأيان ان يبقى بعيدا عن اهله، في الولايات المتحدة الاميركية، ليبتزه حزباها في معاركهما الانتخابية الرئاسية.

وفي هذه الحال يكون الابتزاز انسانيا لان وراءه القوة الليبرالية الاولى في العالم، حامية الديمقراطيات والحريات بالحديد والنار، والحصارات والعقوبات وحلف الاطلسي والتحالف الدولي.

اما الحل الامثل لايان كي يخلص من الابتزاز ويعيش حياة طبيعية سعيدة فهو ان ينقل الى فلسطين او الى العراق.

وهنا سيحتفل بعيد ميلاد تضيئه القذائف الصاروخية، ويقتحمه بدلا من كاسترو المستعربون او المستوطنون، وستحمل له هدية العيد طائرات الاباتشي، ولا بأس اذا نسف بيته وطمر الركام العابه وفنجان حليبه وحقيبته المدرسية ليلة العيد، فهو لن يحتاجها لان لا وقت للعب والافضل له ان يلعب بحجر قد يجذب اليه رصاصة في عينه، ولان الحليب يكاد ينقطع والافضل ترك المتبقي للرضع الذين قد لا تسعفهم اثداء امهاتهم لانقطاع ماء الشرب، او لخوف او قلق او فجيعة يجفف اثداء المرضع، واذا صدق ابو تمام فانه حتى الحليب المتبقي في الثدي، لن يكون معسولا وفيه من المرارة، مرارة ابتعاد يوم عمورية، وابتعاد طيف معتصمها.

اما الحقيبة المدرسية، فقد لا يحتاجها كثيرا لان الطريق المؤدي الى المدرسة قد لا يكون سالكا، وان سلك فقد يضطر المعلم الى قطع الدوام وحشر الاطفال في ملجأ او اعادتهم الى البيوت.

هذا اذا لم تصادفه في طريق العودة رصاصة عدو قررت ان تضيفه لاترابه الذين اصطادتهم وحقيبتهم على ظهورهم.

وفي العراق قد لا يكون لديه الكثير مما يضعه في الحقيبة، فالكتب ضمرت الى حجم الضرورة المدرسية لان الكتاب المستورد مدفع عملاق يهدد امن اسرائيل ومستودعات النفط، واشرطة الكومبيوتر وسائل تجسس على القوات »المحررة«، ومن اقلام الرصاص التي تحدت الحصار رمزيا، لم يكن نصيبه الا قلم يخشى عليه من المبراه.

هنا لن يبتزه النظام الكوبي اعلاميا، ولا حتى الولايات المتحدة مباشرة، لكنه سيحظى برقم في جملة القتلى، الجرحى، المشوهين او المقموعين الذين يصعد المرشح الاسرائيلي على آلامهم الى كرسي القيادة، صعودا يقرره الناخب الاسرائيلي بناء على اختبار التفوق في القدرة على القمع.

لكن شيئا واحدا لن يتغير بالنسبة لايان، هو انه سيكبر، ويكبر معه الوعي، بان عدوة الاطفال والشعوب، المجنزرة الكونية الهائلة، هي هي في كل مكان، من كوبا الى فلسطين فالعراق الى.. الى .. لكنها هنا تنضم الى قوة اضافية تفوقها وحشية واستعلاء وقهرا للطفولة.

وأخيرا ثمة شيء هام سيتغير هو ان اهتمام وسائل الاعلام والمنظمات الدولية بمعاناته الانسانية، سينكفىء ويختفي، لان مسبب المعاناة عندها سيصبح السيد الذي يجب التمويه على جرائمه.

 

1) اشارة الى بيت ابي تمام في قصيدة فتح عمورية: »يا يوم وقعة عمورية انصرفت عنك المنى حفلا معسولة الحلب«

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون