قبل أسبوعين فقط كان الكاهن الاكبر في الصحافة الصهيونية ايلي ويزل ينشر مقالاً طويلاً في مجلة لوبوان الفرنسية حول عملية ميونيخ التي نفذها فدائيو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وببراعة ذئب معروف يربط بين ما يسميه “الارهاب الفلسطيني”وسائر حالات الارهاب الحقيقي التي يرفضها كل قارىء، مثيراً بذلك ردة فعل سيكولوجية لدى المتلقي، ليكرر في مقاله بأنه لا يجوز نسيان ميونيخ 72 كما انه لا يجوز نسيان ميونيخ الـ 42 . مقيماً هنا ربطاً خبيثاً بين النازية والفلسطينيين ربطاً يجمع الجلاد الى الضحية ملبساً اياهما قناعاً واحداً.
يومها استغربنا هذه العودة الى الدفاتر العتيقة، وعندما نشرنا المقال مترجما في »الدستور« قدمنا له بفقرة تحذيرية، لان ما يسميه اليهود »واجب الذاكرة«، لا يقتصر فقط على سلبية التذكر، وانما على ترجمته الى فعل، واذا كنا قد اعتبرنا يومها ان الهدف الظاهر من المقال، هو عملية تبريرية للتصعيد الاسرائيلي الهمجي، فان حقيقة الامر قد تبينت الآن، على انها تبرير ليس فقط لما حصل بل لما كان يخطط لحصوله. وفق الاسلوب اليهودي المعروف الذي يعمد الى اسباغ ملامح الشيطان على الهدف المقصود ضربه، سواء كان فرداً أم مجموعة أو دولة، وذلك عبر الاعلام بشكل خاص.
أهو فقط واجب الذاكرة؟
وفي الذاكرة الكثير…
أهو فقط الحقد؟
وفي كيونة هذه الحركة وهذه الدولة، يشكل الحقد الدم والنسغ وعنصر اللحمة؟
أم هو فقط ذاك الذي عبر عنه أحد قادة اللوبي اليهودي بقوله: »نحن نحكم على ما يفعله الرئيس لا على ما يقوله«؟.
بالأمس كتبنا في هذه الزاوية ان الرهان الآن بين خطين، في فلسطين وفي العالم العربي كله: خط الارتخاء والارتماء والسوق التي تسقط فيها الثوابت والمحرمات، وخط الكرامة ومحاولة التصدي لعاصفة تصر على الاقتلاع وطوفان لن يبقي لنوح العربي لا سفينة ولا حمامة ولا غصناً.
ولأن رهان الطرف الصهيوني هو على الخط الاول، مما يحتاج سحق الخط الثاني، فان تصاعد الانتفاضة، مضافاً الى تقارب سوري فلسطيني – عراقي، وقرب فلسطيني – عراقي ثابت، مضافاً الى علاقة سوريا بلبنان (أو بجزء منه) هو اكثر من تجاوز للخطوط الحمراء… تجاوز جاءت عملية يوم الجمعة، أول تجل نفسي عملي له.
ولذلك كان لا بد من ضرب هذا الخط، هذا النهج، وفي واحد من ابرز رموزه، سواء كرمز شخصي أو كرمز تنظيمي.
ضربة فيها رسالة للآخر… وفيها شفاء للذاكرة… لكنها ذاكرة لا تشفى وعلينا ان نتعلم منها هذا اللقاح ضد النسيان.