“نحن نجهل العالم جهلا فائقا، ونعتقد أننا اصحاب فضيلة، نعتقد ان الناس، حتى في لندن او باريس لا يعرفون ماكدونالد ولا حرب النجوم، وقد تفاقم هذا الجهل منذ ان اصبحنا القوة العظمى الوحيدة«.
الذي يشخص هذا الوضع هو شليسنجر، وفي العدد الاخير من »ولرد بوليسي جورنال« المجلة القريبة من اليسار الديمقراطي في الولايات المتحدة الاميركية وذلك في مقال حول نهاية الانعزالية الاميركية. اعتبر فيه ان من ميزات احداث 11 ايلول انها فرضت هذه النهاية. حيث ادركت واشنطن انه لم يعد بامكانها ان تقرر وحدها. وانها بحاجة الى غطاء دولي كي تستطيع التحرك.
لكن ما هو أهم من قضية الانعزالية والغطاء، هو ما كتبه مدير (ذي وورد بوليسي انستيتيوت) حول الكراهيات. فو اذ يسجل خوفه على بلاده من نيران الكراهية المشتعلة حولها يتوقف عند تحليل واضح الرؤية، وهو ان هذه الكراهية ليست واحدة، بل كراهيات، بمعنى ان سببها وسياقاتها ليست واحدة. واذ يفصل ذلك، يقول ان الكراهية في الفليبين مثلا لاميركا كقوة استعمارية، هي غير الكراهية في افغانستان على خلفية دينية، وغير الكراهية في روسيا على خلفية رفض التبعية، واخيرا غير الكراهية في الشرق الاوسط المرتبطة بدعم اسرائيل.
واذا كان شليسنجر، يحذر بلاده من خداع الذات عبر ايهامها بأن الكراهية محصورة في بعد واحد هو صراع الحضارات، او بعد اضيق هو الصراع ضد الاصولية الاسلامية، او بعد اضيق هو الصراع ضد الارهاب واخيرا شخص واحد هو اسامة بن لادن، فان ذلك من باب التعامي، وسياسة النعامة التي تصبح اخطر من هذه الكراهيات نفسها، لأنها تزيد في تفاقمها حيث تتغافل عن علاجها، معتقدة ان علاج واحدة يلغي الاخريات.
ما يهمنا نحن في هذا التحليل كله، هو ان وجود اصوات، ايا يكن حجمها، تنتبه الى ان مصلحة الولايات المتحدة هي في معالجة اسباب الكراهيات، والى ان كراهية الشرق الاوسط مرتبطة باسرائيل، ومشروعها الصهيوني، هذا الوجود يجب ان يدفعنا الى تفعيل مطالبنا، ورفع صوتنا ازاء كل مظالمنا.
واذا كانت الولايات المتحدة بحاجة الينا، من ضمن الغطاء الدولي فلتكن تلبيتنا لهذه الحاجة بثمن.
في حديث قبل ايام، لشيمون بيريز، قال ان ما استجد بعد 11 ايلول هو بروز فريق فلسطيني حريص على التقرب من الغرب والولايات المتحدة، وفريق آخر يريد جر المنطقة نحو الاصولية.
واضح ان الثعلب العجوز يعمل بذلك على دق الاسفين وتعميق الاخدود، ولكن لماذا لا يكون صوت هذا الفريق »المتقرب« صوتا مدعوما بمقولات شليسنجر المذكورة. ومن ورائه اصوات العرب الآخرين.