اخر الصيف الذي تلا شتاء حرب الخليج اعترفت الصحف الغربية، وان في صفحتها الخامسة بان المعركة البرية استوجبت دفن ثمانية الاف جندي عراقي احياء. وببرود شتائي علق جنرال امريكي قائلا (الحرب هي الجحيم).
وعندما ارتفعت اصوات قليلة ترد عليه »لكنها الحرب التي تم تسويقها على انها حرب جراحية تكاد تكون مقدسة« احيلوا الى شعار الرئيس بوش »لن تكون فيتنام ثانية لن نخاطر بارواح الامريكيين الغالية«.
ارواح غالية مقدسة وارواح رخيصة بشرية..
منطق امريكي ام منطق يهودي؟
الامبراطورية والبرابرة الجدد ام ابناء الله والعجماوات؟
رون آراد الطيار الذي تحول الى سؤال لدى حزب الله، ام الاميركي الذي انفجر سؤالا – ازمة لدى العراق؟
حياتهم الغالية، وموتنا الرخيص.. »الحرب هي الجحيم« لعشرات، لمئات الاف البرابرة الجدد.. وهم يدافعون عن انفسهم ولكن ليس لطيار سقط وهو يهاجمهم.
هذا اول ما تعززه المرارة..
ولكن:
ثمة جحيم مؤجل، لم يخطئ موعده حيث هوى آراد ولم يخطئ موعده مع قطعان الفيلة البشرية التي سبقت الى صحراء الخليج مطمئنة على ارواحها الغالية.. ولم تنتبه او تنبه الى قنبلة موقوتة تزرع في الارواح والابدان وتمنح عند انفجارها اسم (اعراض مرض الخليج).
من الولايات المتحدة الى بريطانيا الى فرنسا..
هي فيتنام ثانية في جانب من جوانب انعكاساتها.
لماذا تبرز الان؟
تحقق شرط الزمن؟
ورقة في معارك سياسية انتخابية داخلية منها معركة بوش نفسه؟
نمو تيار بات يرى مصلحة في تحريك الوضع وتفتيت الحصار على العراق؟
تطورات الظروف الاقليمية؟
تحولات الظروف الدولية؟
ربما كل ذلك معا.
وفي هذا السياق لماذا نبش قضية الطيار المفقود في صحراء جغرافيا وصحراء حرب فقد ومات فيها مئات الالاف؟
ليس من يدعي الاجابة الواحدة ولكن ثمة مؤشرات كثيرة وملاحظات كثيرة منها اثنتان:
الاولى تتعلق باهداف الحرب التي تمحورت حول النفط، الذي تشكل السيطرة عليه ميزة حاسمة في مواجهة الولايات المتحدة مع اوروبا واليابان واعادة تمويل الديون الامريكية.
وحول ما سمي بالسلام العربي الاسرائيلي والمهم فيه الفلسطيني الاسرائيلي.
واذا كان الهدف الاول قد بدا متحققا في البداية، فان شيئا من الاهتزاز بدأ يصيب صورته في الفترة الاخيرة، غير ان الزلزال الكبير هو الذي اصاب الهدف الثاني في المرحلة الاخيرة من ولاية كلينتون.
من هنا تبرز الملاحظة الثانية، وهي ان ثمة اصواتا كانت ترى امكانية تحقيق هذه الاهداف وسواها بالوسائل السلمية ودون الحاجة الى الحرب، التي تزيد اضرارها على فوائدها على المدى البعيد، اضرار منها »ارتفاع منسوب الدين الممزوج بكراهية الغرب واصرار ايران على لعب دور حاسم« على حد تعبير وزير الدفاع الفرنسي انذاك جان بيير شفينمان.
واذا كان شفينمان قد عبر عن احتجاجه – الذي بناه على اسباب اخرى كثيرة – بالاستقالة فان مسؤولا كبيرا اخر في الجانب الامريكي، كان يعارض قرار الحرب منذ البداية لكنه لم يمتلك تمرد زميله الفرنسي.
هذا المسؤول هو كولين باول، الذي كان اول مسؤول رئيسي يعلن تعيينه في ادارة بوش المستنسخة، فيما يتجاوز هدف استرضاء السود.
فهل ارادت ادارة كلينتون ان تمهد له الطريق او ان ترمي عليها كتلة اسلاك شائكة؟