على هذه الارض ما يستحق الصلاة.. ولذا استحقتها، حوارا خاصا بين الانسان والقوة المطلقة حقا خيرا وجمالا، منذ اول محاولة توكأ فيها العقل على الحدس، ليحلقا في مغامرة الاسئلة الوجودية الكبرى. وليبحرا في محاولة الاجابة.
على هذه الارض ما يستحق الصلاة.. من الاينوما ايليش، ومردوخها، الى الانجيل وسيده، الى القرآن الكريم ورسوله.
ومن التمتمة الاولى، الى آخر أذان، وآخر آمين، تعانقت المحبة بالرحمة بسلام الارض، بفأس مردوخ وسوط المسيح وسيف الرسول. تعانق الاحرار على التغيير لاطلاق الحياة وتصحيح مساراتها، لاقامة الحق، وتكريس الحقيقة، بدم الشهادة، ونذر التضحيات.
وكان اضطرار مردوخ الى شطر جسد الام تيامات الى اثنين، لتكوين الارض والسماء، وازالة العائق من وجه انطلاق الحياة، كانت صرخة: »اخرجوا من بيت ابي يا فاعلي الاثم.. بيتي بيت الصلاة يدعى وقد جعلتموه مغارة للصوص« وكانت صيحات تحرير الارض والانسان تترجع من مؤتة الى اليرموك الى القادسية. وفي كل ذلك كانت دمشق محطة منطلقا، وكانت القدس بؤرة ومآلا وهدفا.
في بيت لحم ومكة كانت شهقة الولادة.. ومن دمشق انطلق الفتح مرتين، ليلف بعباءته وضيائه مليارات البشر، وليلحق الدنيا ببستان هشام.
أهي الدنيا، ام دورة الحضارات هي التي جعلت الدنيا، وجعلتنا معها، ملحقين ببساتين اخرى؟
اهو أسوأ الالحاق، ذاك الذي لا يرضى الالحاق، بل يصر على الازالة والابادة، ازالة تتجه قبل كل شيء، وفي نهاية كل شيء الى هذه الخصوصية الحضارية الثقافية الالفية، التي يكمن فيها التناقض الجوهري الاساسي مع مفاهيم ثقافة تقابل المحبة بالحقد، والغفران بالانتقام، والله الرحمن الرحيم برب الجنود الآمر بالابادة.
ولذا فان ذاك التراث الانساني الذي كوننا، ومنحناه للعالم عبر ادياننا، هو ما يستحق على هذه الارض، الصلاة.. وهو هو الصلاة.
هو الذي استقبلت به بلاد آرام، الأب الذي اراد في العام الفائت ان يسير على خطى موسى، فرفضناه، ويريد هذا العام ان يسير على خطى بولص، فتقوده الرحلة الى الوقفة التاريخية امام »باب شرقي« ومن ثم في باحة المسجد الاموي. ويبقى عليه ان يقرر رحلة على خطى السيد المسيح، وهي التزامه الوحيد، ليبدأ من رحلة هرب طفل من قرار اليهود بقتل جميع اطفال فلسطين، الى عودته بالشعانين، الى طرد الكتبة الفريسيين من الهيكل، الى مواجهة الموت امام بيلاطس، الى مسيرة الجلجلة.. وقدر الاستعصاء على الموت رغم كل شيء.. عندها سنصلي معه.. لان هذا الانسان الالفي العظيم رغم كل الجراح والحراب، هو، على هذه الارض، ما يستحق الصلاة