معلومات لبنان تقول ان الشبكات ا لتجسسية التي ضربتنا في الفترة الاخيرة، قد تم اكتشافها منذ فترة ووضعت في الادراج الى ان اعلن عنها مؤخرا. وبالتحديد تقول هذه المعلومات ان شبكة رادرات كان الاميركيون قد زودوا بها الاجهزة الامنية لتغطي كامل لبنان بحثا عن الاسلحة، قد كشفت مواقع اتصالمع اسرائيل في بقع مختلفة من الاراضي اللبنانية. وهنا يبرز السؤال حول توقيت الاعلان وسبب الصمت قبله.
قد يقال انها ضرورات التحقيق، وهذا منطقي وصحيح. ولكن هل من المستبعد ان تكون هناك اسباب اخرى، خاصة لدى جهاز المعلومات المعروف بارتباطاته السياسية والادارية؟
احد هذه الاسباب مطروح علنا وهو الحاجة الى استعمالها في العملية الانتخابية، وهذا اهون الامور، ونتمنى ان يكون الوحيد.
سبب ثان يقول انها الحاجة لتبييض صفحة جهاز المعلومات الذي طالته الكثير من التهم. وتحديدا تبييض هذه الصفحة قبل الانتخابات كي لا ينسب الفضل لحكومة جديدة تنتمي الى المعارضة في حال فازت هذه الاخيرة في الانتخابات وشكلت الحكومة الجديدة. وهذا ايضا مقبول.
لكن ثمة اسئلة اخرى اشد خطورة تفرض نفسها، خاصة وان الكم والنوع وطبيعة الانتشار، التي تتسم بهما هذه الشبكات التجسسية تؤشر الى دور مهيا لاستعمال في تحريك فتنة داخلية قد تكون اشد من الحرب الاهلية المريرة السابقة. او للعب دور خطير في حال شن حرب اسرائيلية جديدة على لبنان. وهذا ما يقود الى سؤالين:
ما علاقة هذه الشبكات بعمليات الاغتيال التي تمت في لبنان على امتداد السنوات االسابقة وتحديدا منذ اغتيال الحريري؟
ما علاقتها بمشروع الفتنة الذي كان على الابواب لولا حسمه في 7 ايار المشهور؟
واذا كانت اجهزة الامن تعرف عن هذه الشبكات لدى حصول الاحداث المشار اليها، اضافة الى حرب تموز، فلماذا صمتت؟ لماذا غطت على الاتهامات؟ وماذا فعلت لمنع مفعولها؟
واذا ما ربطنا هذا كله بسؤال اخر:
هل ثمة علاقة جدلية بين عمليات الكشف هذه واطلاق سراح الضباط الاربعة؟
واخيرا: اي رابط بين كل ذلك وبين الخبر الذي نشرته ديرشبيغل الالمانية لتتلقفه وسائل اعلام عربية معروفة الاتجاه والخلفيات، فتتطبل له وتزمر، حتى بعد ان كذبته المحكمة الدولية؟
الاجابات المنطقية التي لا تستند الى بعض المعلومات والى التحليل تقول ان طبيعة عمل الاجهزة الامنية ازاء شبكات كهذه هي ان الشكوك او المعلومة الاولى تبقى فترة طي الكتمان وقيد المراقبة الى ان تؤدي الخطوط الى حيث يجب. وبالطبع لا يمكن مداهمة واعتقال المشتبه بهم الا بعد اكتمال الادلة او على الاقل المعلومات. مما يعني انها كانت مكشوفة للاجهزة منذ فترة، وبالتالي لا بد ان يكون لدى هذه الاخيرة معلومات عن دورها في عمليات التخريب وما كان يتلوها من اتهامات. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان جهاز المعلومات معروف بانتمائه الى تيار المستقبل، وبارتباطه الاداري برئيس الوزراء، فمعنى ذلك ايضا ان هذا الاخير كان على علم، ان لم يكن بالتفاصيل فبالشكوك. وهنا يطرح السؤال: لماذا لم ينعكس ذلك في الخطاب السياسي والمواقف؟
ثانيا: يؤكد الدور الكبير الي يبدو ان هذه الشبكات قد لعبته خلال حرب تموز 2006، على ان دورها اكبر من مجرد تنفيذ عمليات اغتيال – على اهمية هذه العمليات – من حيث كونه دور القوة الاسرائيلية الضاربة في الداخل اللبناني، وهي النظرية التي يتبناها وزير الحرب الاسرائيلي السابق ايهودا باراك ويعطيها عنوان: ” العمل خلف خطوط العدو “. هذا العمل الذي يتمثل، بالاضافة الى الاغتيالات والاخبار والارشاد في حال الحرب،- يتمثل في اثارة الفتنة الاهلية التي لم يكن لبنان بعيدا عنها، ومرارا خلال السنوات الاخيرة، ولا يبدو بعيدا عنها الان الا اذا صحت الضمائر المريضة وتنبهت الضمائر المخدوعة او التي اخذها المد، وتنبهت معها الاطراف التي ينتظر منها سحب الذرائع.
وهنا يطرح احتمال اخر، هو الذي طرحه وليد جنبلاط مؤخرا: اذا ما اصرت ادارة باراك اوباما على الضغط باتجاه حل الدولتين، في حين ترفضه حكومة نتنياهو رفضا كاملا، بل انها لا تستطيع قبوله امام قاعدتها الشعبية، فقد تلجا هذه الحكومة الى الهروب الى الامام بشن حرب على لبنان تحقق فيها ثلاثة اهداف: التهرب من استحقاق الدولتين، انتهاز فرصة لتحقيق حلم ليبرمان ومن وراءه بتهجير عرب ال 48، وزرع البلبلة في لبنان بعد اضعاف مقاومته وتدمير بنيته التحتية. وهنا لن تعدم اسرائيل اغبياء وحاقدين ومتامرين جاهزين لتحميل حزب الله مسؤولية العدوان الاسرائيلي، ولتبني الذرائع الاسرائيلية مهما كانت مكشوفة. الم نرى ميلا عند هؤلاء لتصديق وتسويق مقالة ديرشبيغل التي احسن وليد جنبلاط بوصفها ب “باص عين الرمانة الجديد”.
الباص الجديد فشل في تفجير حرب اهلية جديدة، بل انه فشل في التغطية على انكشاف الشبكات السوداء ولكن ثمة من يضعه في الخزنة لوقت الحاجة. اضافة الى اننا لا بد وان نتساءل حول معلومة سمعتها من مصدر سياسي في العاصمة الفرنسية قبل اكثر من ستة اشهر، حيث اكد على ان المحكمة الدولية ستعمل، وقبل انتهاء عهد الرئيس السنيورة وحكم 14 اذار على اطلاق الضباط الاربعة، مما يكسبها وهؤلاء مصداقية لدى الجمهور اللبناني والدولي، ولكن لتعمد بعدها الى اتهام حزب الله بالتورط في اغتيال الحريري، وقد نقل هذا المصدر يومها عن طرف لبناني قوله: سترى كيف سنجلب حسن نصرالله شخصيا الى امام المحكمة!
المصداقية التي جنتها المحكمة من اطلاق الضباط الاربعة، هي اقل من المصداقية التي جناها فرع المعلومات من القاء القبض على الجواسيس، فهل ستوظف هاتين المصداقيتين ايضا ضد المقاومة وسيدها، ام ان المتاملون بالزرع السام سيجدون قبضتهم فارغة؟
ثمة من يقول ان توقيت التنفيذ والاعلان قبل الانتخابات النيابية هو لاعطاء مصداقية لفرع المعلومات وبالتالي 14 اذار. وثمة من يقول ان العكس هو الصحيح لان هذا الانكشاف اعاد خلط جميع الاوراق لتكون سوريا المستفيد الاكبر منه بعد لبنان. وثمة من يقول انه اريد كشف الشبكات قبل الانتخابات كي لا يسجل ذلك في حساب المعارضة اذا ما فازت في الانتخابات، ليكون اول واكبر انجاز لحكومتها في هذه الحال. كل هذه اهداف تبقى مشروعة ومن طبيعة الصراع السياسي. والمهم النتيجة لا في حساب من تسجل، كما قال السيد نصر الله. ولكن ان يتجاوز الامر ذلك الى مؤامرة جديدة، فذاك مقتل لبنان الذي لا يبدو ان اللبنانيين سيستجيبون له، بدليل ما نراه من تعديل في المواقف واعتدال في التصريحات من قبل كل العقلاء، ليبقى المجرمون والمجانين وحدهم.
واذا ما كان ثمن نجاة لبنان من فتنة اهلية، عدوانا تشنه اسرائيل التي تستعد له باكبر مناورة في تاريخها، فان الثاني يظل افضل بكثير من الاول وبكل المقاييس، علما بان المطلوب من السياسة بذل كل جهد لمنعه وهذا ما طلبه حزب اله عندما وزع تفاصيل المناورة في جلسة الحوار الاخيرة، محملا الاطراف مسؤولياتها.كما ان المطلوب هو التنبه الى ان افتعال اي مبرر له، سيلصق بالمقاومة والارجح ان ينفذه عميل هنا او هناك، كحادث اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن عام 1982
كما وان ما يتم الان من حملة علربية ودولية لتشويه صورة حسن نصرالله شخصيا، هو من باب النظرية الانكليزية التي ارساها علماء اعلام الحرب البريطانيين منذ الحرب العالمية الاولى، وعمقوها في الثانية: الا وهي تلك التي تقول بان عليك قبل ان توجه ضربة لفريق او لبلد ان تشخصن خلافك معه، بحيث تحصره في رمز واحد، ومن ثم تقوم بشيطنة هذا الرمز الى اقصى الحدود، حتى اذا جاءت الضربة، قبلها الجميع، وحتى من لم يقبلها يخجل من الدفاع عنها لانه يبدو بمثابة محامي الشيطان.
من جهة ثانية – وحتى ان لم تتحقق الحرب او الضربة، فان شيطنة سيد المقاومة تصب ايضا في سياق اساسي في عملية المواجهة بين روح المقاومة العربية والاحتلالين الاميركي والاسرائيلي، اذ انها تندرج في سياق تحطيم الرموز مع كل ما يعنيه ذلك في الحرب المعنوية والنفسية.