يقاومون بالموسيقى..
يقرعون الدفوف على الحواجز..
يطلون بكل وجوه وجههم!!
“هؤلاء الانصاف – المتوحشون، نموا على ارض متوحشة، حضارة متوحشة” قال عنهم يوما دافيد رازييل، ومضى غيرهم الى انكار وجودهم، مع قصة »ارض بلا شعب«.
وجودهم لم يعد موضوع جدل، ووجههم الحضاري، يتعرض يوميا للتشويه، ويتحداه.
وللدفوف حضور تاريخي، في الطقوس الكنعانية، انتقل الى طقوس تلك الرسالة التي نبتت على ارض فلسطين، فأراد اليهود خنقها، بقتل رسولها، واذا باثني عشر شابا فلسطينيا اخرين يتكفلون بايصالها الى مليار ونصف انسان في هذا العالم، بعد ان يرسموا بالدم والمحبة والاصرار درب انتصارهم.
والشعوب انما تحفر انتصاراتها لا بعذاباتها، وعرقها فقط، وانما بتراثها، وتاريخها وكل طاقاتها..
قبل شهرين حدثتني صديقة في الهيئة العامة للاستعلامات في غزة، عن شاب عاد من فرنسا بعد تخصص في مجالي اللغة الفرنسية والكومبيوتر، ليوظف معرفته بدأب ووعي في رصد الاعلام والسياسة الفرنسيين، على الصعيدين اليومي، والبحثي الستراتيجي، ويصب عمله في الاعلام وبنك المعلومات، ليعثر عليه ذات صباح مقطعا اربا في سريره.
لم اعرف الشاب يوما، لكنني رسمت له ملامح حسن كامل الصباح او الشيخ صبحي الصالح في شبابه، او الدكتور عمر الفاروقي وزوجته لوا.. ربما هذان الاخيران اكثر، لان صورة اغتيالهما مشابهة تماما..
لم ارد ان اتخيل الملامح ذاتها في وجوه الموسيقيين الجميلين، الذين قابلوا الحاجز الاصم، الذي لا ينطق الا بالموت والعزل، باللغة الانسانية المتجاوزة لكل حواجز اللغات، والاعراق والاجناس والعصور..
اجدادهم، حملوا دفوفهم، اطفالا، قبل الفي عام لاستقبال المسيح الطفل العائد من اللجوء خارج فلسطين هربا من اليهود، الذين ارادوا قتل كل طفل، ليقتلوه.. وها هو احد الشعانين يقترب، والمسيح الجمعي مقسوم ما بين دروب اللجوء، ودرب الجلجلة، فهل اراد هؤلاء الشباب استنفار الرمز؟
استنفار طاقات المكنون الالفي، الذي لا يمكن الا وان يستعصي على الصلب حتى وان شبه لهم.. لانه مرصود على قدر القيامة..
بعد كامب ديفيد، قال بيغن: »حتى ولو وقعنا السلام، سيظل الصراع قائما بين الحضارة اليهودية والحضارة العربية الى ان تنتصر احداهما«.
ولم يكن بحاجة لان يضيف ان عمر صراع الحضارات هو بطول عمرها..