بينما تشهد بروكسل صراعا حاميا حول تعميق العلاقة مع اسرائيل ورفعها الى مستوى يقع بين الشراكة والعضوية، يغيب العرب عن دورهم في استغلال هذه الفرصة ودعم الدول او المسؤولين الاوروبيين الذين يرفضون ادماج الدولة العبرية في المجموعة الاوروبية،لسبب او لاخر. باستثناء سوريا التي يقوم رئيسها بزيارة ناجحة الى النمسا. علما بان لجميع الدول الاوروبية مصالح حيوية مع العالم العربي، من شانها ان تشكل وسيلة ضغط ناجحة. واول هذه الدول فرنسا التي كانت البادئة في فرض رفع مستوى التقارب مع اسرائيل، وطرح مبدا فصل العلاقات معها عن التقدم في مفاوضات السلام. مما يشكل قطيعة لم يسبق حصولها بين هذا الشرط وجوابه. السعي لاقرار هذا الفصل اساسا لرفع مستوى العلاقة مع اسرائيل الى ما ذكر بدا خلال فترة الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي، على امل ان تستكمل خلال الرئاسة التشيكية التي تلي والتي كان الفرنسيون واللوبيهات اليهودية والدولة العبرية متاكدين من تايدها لاسرائيل.
الرئيس التشيكي ميريك توبولانيك لم يكذب الامل وسارع الى زيارة نتنياهو مسترضيا، معلنا ولاءه، مستبقا اجتماع بروكسل. غير ان اوروبا لا تنظر كلها الى الامر بعين واحدة، فهي موزعة بين دول تحكمها قيادات جاءت بدعم القوى الصهيونية، وتجد نفسها مضطرة لتسديد الفاتورة، وقيادات قريبة روحا من الصهيونية، وقيادات تحركها ردات فعل تاريخية ضد الماضي السوفييتي – الاشتراكي، فتجعلها اقرب الى كل ما هو اميركي،كل هذا من جهة، ومن جهة ثانية قيادات اوروبية حقيقية تنظر الى مصالح بلدانها مع الجميع: من العالم العربي الى تركيا الى ايران، كما تنظر الى المتغيرات الدولية وموقع هذه المصالح منها.
هذه القيادات الاخيرة هي التي غلبت في اجتماع مجلس الحكومات الاوروبية فاتخذ قرارا بتجميد رفع مستوى العلاقة مع اسرائيل بانتظار ما يحصل على مسار السلام. مفوضة العلاقات الاوروبية الخارجية بنيتا فيرريرو وولدنر عبرت عن موقف المجلس قائلة: “ان الوقت لم يحن بعد للذهاب ابعد في العلاقات مع اسرائيل، ولا يمكن رؤية التقارب الا على ضوء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي”. مما اثار جنون الرئيس التشيكي الذي تعهد لنتنياهو وللمعسكر الاول بمتابعة ما بداه ساركوزي، جنون دفعه للرد بطريقة غير مالوفة داخل الاتحاد. رد على وولدنر وعلى مجلس الحكومات: ” تعميق العلاقات مع اسرائيل قرار سياسي يتخذه مجلس الاتحاد الاعلى شانا منهم، وانا لا ازال رئيسه، وفي موقع افضل منها لفهم ذلك…كلامها سابق لاوانه ولا يساوي اكثر من كلام اي مفوض في بروكسل، والتقارب مع اسرائيل لا يجب ان يمر بمسارب العملية السلمية ”
هذا السجال الخالي حتى من الديبلوماسية التي يحترمها الاوروبيون اكثر من اي شعب في العالم لا يعبر فقط عن حدة الصراع بين خيبة امل الاوروبيين المؤيدين لاسرائيل وفي مقدمتهم الفرنسيين والتشيكيين، وانما يعبر عن حدة الصراع بين رؤيتين للمصالح الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط: رؤية تنظر من خلال هذه المصالح فحسب، ورؤية مستعدة للنيل من هذه المصالح لقاء مصلحة اسرائيل. وبذا لا يكون العامل الحاسم في تقدم او تاخر احدى الرؤيتين على الاخرى الا اتقان العرب لمد العصاة والجزرة الى المستفيد الاوروبي. نقول ذلك ونحن لا نجهل ان بعض العرب يدعم- وللاسف- المعسكر الاوروبي المتاسرل، لكننا نرى ايضا تحركات ذكية كمثل زيارة الرئيس السوري لفيينا، زيارة تزامنت مع صراع بروكسل، ومع مفارقة ان بنيتا وولدنر كانت – قبل ان تصبح مفوضة – وزيرة لخارجية النمسا.