دعـــوة

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 23-07-2001

أطرف خبر سمعته هذا الاسبوع، ان العاملين في متجر فرنسي طالبوا رب العمل بزيادة رواتبهم، وعندما رفض قرروا جميعاً الاضراب.. لكنه اضراب من نوع خاص جداً، اضراب قطعي عن الابتسام سواء فيما بينهم ام في وجوه الزبائن وبعد اسبوع واحد اكتشف الرجل ان مبيعات متجره قد انخفضت بنسبة الثلث، وتتابع التراجع.

لم يشدني الخبر حرصاً على التاجر الفرنسي، ولا على تعكر مزاج زبائنه، ولكنني فكرت في أنه ربما يصلح مدخلاً لفهم أسباب الكثير من ازماتنا في هذا البلد.

افلا يمكن أن يكون اضرابنا المزمن عن الابتسام سبباً من أسباب ازمتنا الاقتصادية؟

واذا كان هذا السؤال يبدو سيريالياً فربما طرحنا اسئلة أكثر قبولاً، من مثل: ألا يمكن أن يكون ذلك سبباً في ارتفاع منسوب حوادث السير، وارتفاع ضغط الدم، والامراض السرطانية التي بات جميع الاطباء متفقين على أنها ذات علاقة وثيقة بالتوتر والغم؟

ثم من قال ان السؤال الاول غير واقعي: فهل يمكن لمكتئب او لمتجهم مهموم مغموم ان يحافظ على قدرة انتاجية طبيعية؟ وعلى نوعية منتج يصنع “بدون نفس”.

أفلا تتناقض التكشيرة مع كل ما يدخل في دائرة “الاقبال”، الاقبال على الحياة، الاقبال على العمل، الاقبال على الحب، على العطاء، وعلى صنع كل ما يجمل الحياة؟

وإذا كان الاقبال الوحيد الذي لا يستطيع النكد قتله لدينا، هو الاقبال على الطعام، ربما من باب التعويض او تفريج الكبت (فشة الخلق)، فان لذلك تأثيراً اقتصادياً سلبياً ايضاً، اذ ندفع اربع مرات: مرة ثمن ما نأكله، مرة ثمن ما نرميه، ثم مرة ثمن علاج من امراض يسببها الافراط في الطعام، بدون نظام تغذية صحي، وأخيراً مرة ثمن علاجات التنحيف التي باتت سلاحنا المضاد ضد البشاعة والشيخوخة وانقطاع النفس بعد الدرجة الرابعة على السلم.

لكن السؤال الآخر الذي يدور في الذهن هو أنه اذا كان عمال المتجر الفرنسي قد اضربوا عن الابتسام نكاية برب العمل الذي رفض رفع اجورهم فنكاية بمن نضرب نحن؟

ومن هو رب العمل الذي ستسجل في حسابه الخسارات؟

ثم ان اضراب اولئك العاملين كان مفتعلاً ينتهي عند مغادرتهم عتبة المتجر، وربما كانوا يسرعون الى بيوتهم، او الى المقهى او السينما او المسرح أو الشوارع ليضحكوا بما يعوضهم عبء النهار، اما نحن فنحمل الاضراب ونسجله ضد مجهول يعني كل شخص وشيء، حتى وساداتنا الليلية. والنتيجة أنه يصبح موجهاً – رغماً عنه – لنا.

قبل أيام كانت صديقة تصعد التاكسي ومعها ضمة ورد، فبادرها السائق: حياك الله، نادراً ما يصعد معي راكب وهو يحمل وردة.. هه ان ذلك يزيح الغم عن القلب.

من هنا علاقة الوردة بالابتسامة والاضراب ضدهما معاً.

اعرف ان اكثر القراء يعلقون عند نهاية هذه الفقرة: وماذا يدفعنا للابتسام؟ أين نجد في جميع أوضاعنا ما يجعلنا نبتسم؟

ثم هل يجد الناس ثمناً لما يأكلوه كي يشتروا وروداً؟

صدقوني لست ماري انطوانيت ولا أنصح الجائعين بالبسكويت، لكنها دعوة واقعية جداً جداً للمقاومة، للحياة!..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون