ربما يكون في كل شر بصيص من خير ينتج عنه، كما في كل خير بعض من شر.
هكذا تقول الحكمة الشعبية، وفيها ما ينطبق على تطورات الحالة العربية العراقية.
فحين يعلن العراق انه سيوقف استيراد الادوية من فرنسا، نتيجة لموقفها المعادي في مجلس الامن الدولي، يكون في الخبر جانب مرض، هو رؤية حكم عربي، يمارس الثواب والعقاب في علاقاته الخارجية، فالله سبحانه لديه ثواب وعقاب، وعلى صورته ومثاله يسير البشر.
لكن الجانب الخير الذي يبرز في هذا الخبر، هو تجاوز عملية احلال اجنبي مكان اجنبي آخر، الى عملية تحول باتجاه دعم انشاء مصانع دوائية في سوريا، مما يصب في صميم عملية التكامل الاقتصادي، بل لعلها واحدة من المرات النادرة التي يكون فيها للتجزئة فائدة ما. فاذا كان استيراد الكيماويات محظورا على العراق، وسيحتاج الفكاك منه الى وقت، فالفكرة الجيدة ان يفيد رأس المال العراقي، وربما الخبرات العلمية العراقية من ارض قطر آخر، هو الاقرب للعراق جغرافيا وروحيا ومصلحيا. وان يفيد هذا التصنيع من السوق العراقي اولا، والعربي ثانيا، بحيث ينمو اكثر كلما تحققت له قاعدة اقتصاديات الحجم بشكل افضل.
اهو حلم ان تدفع اموال المشتريات العربية من يد عربية الى يد عربية اخرى، على الا تكون اليد الثانية يد سمسار ووسيط بل يد منتج؟
اهو حلم ان تتحول العقلية الاستهلاكية العربية الى عقلية انتاجية، في الوقت الذي يملك فيه العرب مقومات الانتاج الثلاثة: رأس المال واليد العاملة والسوق؟
وهل سيكون لموقف دول العالم المعادي لمصالح هذه الامة، والمصر على اسقاط الشر علينا، ان ينبثق منه بعض خير يشكل ارهاصات مستقبل افضل؟
واذا كان الكيان الصهيوني المسخ بالمقارنة مع الدول العربية وفي مقدمتها دول الطوق، قد تمكن من ان يتحول الى قوة اقتصادية منتجة تصدر لاوروبا وتهدد صادراتها مصانعنا ومنتجاتنا اذا انهار سد المقاطعة بحلول السلام الذي نتباكى عليه، فهل سيبقى العالم العربي، بثرواته وديموغرافيته وقدراته مجرد سوق مترامي الاطراف ومترامي الافواه المفتوحة »المفتوحة جوعا والمفتوحة بلها واستسلاما«؟
هل سننتظر المجزرة الاسرائيلية الامريكية ونحن ذاهلون، نقوم بعد حلقات الجنزير واسنانه، ونتخيل صعوده فوق اجسادنا تماما ليحول وجودنا الى قطعة »ستيك« مسطحة؟
هذا على مستوى الاقتصاد السياسي، اما في مجال السياسة الخارجية، فيذكر موقف العراق ازاء فرنسا، بملاحظة قالها لنا رئيس تحرير صحيفة لوموند ديبلوماتيك، الان غريش، قبل اسابيع وهي »ان مشكلتكم انتم العرب في تعاملكم مع العالم، انكم لا تكافئون من يحسن اليكم ولا تعاقبون من يسيء«.
وها هو هذا الاجراء العراقي يأتي استثناء لهذه القاعدة فيعاقب دولة لا تفتأ تدعي الصداقة، الى ان تقع على محك اتخاذ موقف، متعطف في موقع العدو.
الجميع يعرفون ان هذا الموقف هو حسابات انتخابية تجعل القرار يخضع لضغط اللوبي اليهودي الموالي لاسرائيل داخل الحكومة الفرنسية، تماما كما حصل عام ،1990 فيما يتناقض مع المصلحة الفرنسية نفسها، لكنه دور الشعب الفرنسي، والفرنسيون الحقيقيون فيه ان يضغطوا باتجاه آخر.
ودورنا نحن ان نفعل كما فعل العراق، وان نتجاوز ذلك الى دعم اية مبادرات باتجاه انتاجي تكاملي.