هل كانت الابحاث المهمة التي قدمت في ندوة الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب في دمشق، عملا موازيا – كما اريد له ان يكون – لمؤتمر دربان؟
اكثر من ثلاثين ورقة عمل تراوحت بين البحث والدراسة والورقة النقدية او الاستعراضية، تناولت جوانب مختلفة من ملامح العنصرية الصهيونية، في الايديولوجيا، في السياسة، في الفكر والادب ومناهج التعليم، رابطة بذلك الايديولوجي التأسيسي، بالتطبيقي العملي.
وهي بذلك، تقدم، كعمل توثيقي بحثي، هو المطلوب اساسا من الباحثين والكتاب، جهدا قيما تم الاعداد له طيلة اربعة اشهر. لكن ثمة ملاحظات مهمة تفرض نفسها بعده:
اولها توظيف هذا الجهد، فاذا كان دور الكتاب والباحثين ان يحفروا، وينقبوا، ويقدموا نتاج عملهم، فان التوقف عند هذا الحد هو اجهاض وسقوط الثمرة قبل نضجها، اذ ان ثمة ثلاث فئات يجب ان تتلقف هذا الجهد، للافادة منه، وتوظيفه وبناء عملها عليه:
– السياسيون، سواء من كان منهم في موقع القرار ام من كان في موقع العمل العام، او الديبلوماسي.
– الاعلام، بجميع وسائله المرئية والمكتوبة والمسموعة.
– الدوائر التربوية: سواء ما هو منها تربوي مباشر: رسمي، اي المدارس والجامعات، او ما كان منها تربويا مساعدا كالنوادي والانشطة المختلفة المقدمة للشباب والاطر التي تضمهم.
فبقدر ما يحتاج توظيف الجهد النخبوي العلمي والثقافي الى الصعود الى مرجعيات مراكز القرار، واطراف التخطيط، بقدر ما يحتاج الى تعميمه شعبيا لتكتمل الفائدة، والا تظل الجهود المضنية التي يبذلها كثيرون، جهدا ضائعا، وخطابا متداولا بين جدران قاعات الاجتماعات المغلقة، التي لا يخترقها الاعلام الا للقطات اخبارية وتقارير يسأل فيها الباحث ان يتحدث في ثلاث دقائق عن مضمون ورقة عمل عليها ثلاثة اشهر.
دون ان يفهم من قولي هذا انني اريد ان تنقل وسائل الاعلام الاوراق كاملة بما يبعث الملل، ولا يشد لا قارئا ولا مستمعا ولا مشاهدا، وانما قصدت اساليب التوظيف التي يفهمها الاعلاميون الاذكياء.
ملاحظة اخرى تتعلق بالمضمون، حيث ان تركيز عدد من الابحاث على مقارنة الصهيونية بالنازية، كان عملا جيدا اذا ما اخذ في سياقه المنطقي، اي البرهان بالقياس على ما هو متفق عليه. وفي سياقه السيكولوجي اي ملامسة وتر حساس في الذاكرة الجمعية الغربية، اي وتر ادانة النازية وكراهيتها، حتى اذا نجحت في اثبات تشابه الصهيونية معها، وكشف العلاقة التاريخية بينهما، استجلبت اعادة نظر – نفسية على الاقل – في التعامل مع الصهيونية.
اما خارج هذين السياقين، فان النازية ليست مقصودة لذاتها، لانها كائن مات ودفن عام 1945، ولا فائدة من الضرب على جثة ميتة.
مما يقتضي ان يستكمل الامر بمقارنة الصهيونية بجميع العنصريات الاخرى، واخرها عنصرية جنوب افريقيا البائدة، لاثبات تفوقها عليها جميعا.