“لأول مرة، نشعر خلال اجتماعاتنا بادارة امريكية، انها تأخذ في حسابها جيدا، الرأي العام، الشارع العربي”.
هذا ما قاله عبر موجات اذاعة لندن، قبل يومين، خليل جهشان رئيس اللجنة العربية ـ الامريكية لمكافحة التمييز العنصري.
واذا ما وضعنا هذا التصريح في سياق تال لتقرير المخابرات المركزية الذي نشر قبل شهرين حول تصاعد مد الكراهية العربية للولايات المتحدة في الشارع العربي. وحاجة الامبراطورية الى صيانة مصالحها في مناطق النفط، والاستراتيجيات، خاصة في عهد ادارة مكونة من كارتل من تجار النفط، حاجة تولد بدورها حاجة اخرى للاستقرار والتقبل.
فان ذلك يضع في يد العرب حكومات، وشوارع، ورقة مضمونة الربح، اذا وجد من يحسن استغلالها.
وحسن الاستغلال لا يكون بتطمين العراب الامريكي، تطمينا وهميا عبر اخفاء وتمويه اية مظاهر عداء. لا ولا بقمع هذه المظاهر، لأن ذلك سيعمقها اكثر ويؤججها اكثر، ولا بمحاولة اقناع الرأي العام بان يحول كراهيته الى غرام.. فهذا هو المستحيل الاول في علاقات البشر افرادا ودولا.
حسن الاستغلال ينطلق من القاعدة البسيطة البديهية، قاعدة ان العلاقات بين الدول علاقات مصالح، وطالما ان للدولة العظمى مصالح عظمى عندنا، تحتاج للحفاظ عليها الى رضى شارعنا، فان بامكان حكوماتنا، غير العظمى بحجمها، ولكن العظمى بقياس حاجة الطرف الآخر لها، ان توظف غضب شارعها، سخط الرأي العام لديها، مشاعره التي رصدتها المخابرات الامريكية، لاقناع الآخر، بان عليه ان يقدم لهذه الشعوب مواقف تنسجم مع رغباتها وآمالها، حقوقها ومصالحها، ان يعدل من عدوانيته كي تعدل من كراهيتها، ان يفهم بانه وهو يأخذ منها كل شيء، عنوة، ملزم بان يقدم لها البديل، ان يحترم ارادتها ووجودها.
في سياق اللعبة السياسية، يأتي ادراك الادارة الامريكية لخطورة مشاعر الشارع العربي، مكسبا للحكومات العربية، اذا فهمت كونه كذلك، وعرفت كيف تستغله.
ولكن السؤال المؤلم والخطير الذي يقفز الى العينين يتمثل في شقين:
الاول: هل ان وعي الادارة الامريكية لهذه الخطورة متقدم على وعي معظم الادارات العربية؟
والثاني: هل يتشكل في وعي هذه الادارات، ان توظيف موقف الرأي العام يأتي بالتلاحم معه، وايصال صوته واضحا جليا للمحاور الآخر امريكيا كان ام غير امريكي، مما يصلب موقفها هي امامه. ام انها تعتقد ان الحل في كاريكاتور، نشره ناجي العلي رحمه الله قبل عقدين، يمثل متظاهرين يرفعون يافطة مكتوب عليها: »فلتسقط جارة كندا«.