سواء كان الغزل الاميركي الايراني ورقة مقلوبة وكشفت ام انه ورقة جديدة ترمى على طاولة اللعب الديبلوماسي الدولي والاقليمي، فان النتيجة الحتمية انه سيؤدي الى فتح مسارت جديدة تماما في هذه اللعبة.
واذا كانت هذه المسارات لا تنسجم باية حال مع قناعات رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو، فكيف ستعمل حكومته على قلب هذه المسارات الجديدة؟
باستباق الامور عبر مد يد اسرائيلية ( من حزب العمل ) نحو طهران؟ ام بالاقدام على تفجير امني وعسكري يعيد خلط الامور من جديد؟
والاهم من ذلك كله: ماذا سيكون عليه وضع العالم العربي في هذه المعادلات كلها؟
واضح ان المعسكر الغربي، وتحديدا الاوروبي كان يتوقع مثل هذا الانقلاب الاميركي، ولذلك قام الطرفان الفرنسي والبريطاني بخطوات استباقية، لا شك انها تمت بعلم واشنطن سواء كانت بالتنسيق معها او بالالتفاف عليها، خطوات تنسجم طبيعتها مع طبيعة السيكولوجية الفرنسية والبريطانية: فساركوزي فعل ذلك بطريقة استعراضية معلنة باتجاه سوريا، وبريطانيا حاكت النسج بطريقة هادئة صامتة مع حزب الله طوال اشهر، قبل ان تخرج اتصالاتها معه الى العلن. في وقت كانت تجري فيه اتصالات اخرى مع ايران وسوريا.
غير ان رسالة اوباما الى الشعب الايراني وبالفارسية، في عيد النيروز امس، تجاوزت كل ذلك، لتحمل، ليس فقط رسالة ديبلوماسية سياسية، بل وتعبيرا عن احترام بالغ للثقافة والحضارة الايرانية، سواء عبر اختيار المناسبة، او عبر اللغة.
واذا كان المحللون يفسرون الانفتاح البريطاني على حزب الله بثلاثة عناصر محلية واقليمية هي:
أ – تحسن الوضع الأمني في العراق.
ب – اتفاق الدوحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية وانتخاب رئيس لبناني جديد.
ج – اقتناع بريطانيا أن حزب الله جزء أساس من النسيج الوطني اللبناني لا يمكن تجاهله.
فان هذه الاسباب تندرج دون شك ضمن السياق الاقليمي والدولي، بدلالة حضور الولايات المتحدة، يوم 27 الجاري، لاجتماع منظمة تشنغهاي التي اسستها روسيا والصين، وضمت جمهوريات طاجكستان وكازاخستان وقرقيزستان واوزباكستان، لتتسع بعدئذ فتشمل ايران وتركيا وافغانستان، بصورة مراقب. حضور واشنطن هنا ذو دلالة كبرى بعد ان كانت هذه المنظمة تعتبر تحالفا خصما او على الاقل يريد ان يكون موازيا للولايات المتحدة.
من هنا فان العنوانين الرئيسيين اللذين يتوجان هذا التحرك كله هما العراق وافغانستان. فالولايات المتحدة تريد الخروج من الاول بأقص سرعة، وربما قبل نهاية عام 2010، وهي لا تستطيع ذلك الا بالتنسيق مع ايران وسوريا. من جهة ثانية يريد اوباما انتصارا ما، او حلا ما في افغانستان، وهذا ما لا يستطيعه الا بتعاون دول محيطة اخرى، على راسها ايران، التي سبق وان تعاونت معه بشان كابول. فطهران تختلف مع اميركا على تقاسم الحصص في العراق وافغانستان، ولكنها لا تصر على تمريغ انف واشنطن بالوحل هناك. وهي تشترك معها في العداء لطالبان والقاعدة، كما انها تحرص على تأمين حدودها مع أفغانستان كما مع العراق.
وهي لا تنسى لهؤلاء اغتيال الديبلوماسيين الايرانيين في في مدينة مزار شريف، الذي لم يات بدوره من فراغ.
بالمقابل يظل القلق القلق الغربي من البرنامج النووي الإيراني،قائما وجوهره الا يبلغ هذا البرنامج التقنية اللازمة لصناعة سلاح نووي. غير ان التجربة اثبتت له ان اسلوب المواجهة قد فشل ولذلك فان البديل هو البحث عن تسوية ممكنة. تقوم عل اغراءات حلحلة الحصار الاقتصادي والاعتراف بدور طهران الاقليمي وايجاد نظام أمني أقليمي يستوعب الدولة الفارسية ويضمن لها عدم مهاجمتها عسكريا وعدم التعرض للنظام القائم في طهران. فيما تظل مطالب اخرى مطروحة من الجانب الايراني تتعلق فيما يسمى سياسة ما وراء الأفق، اي ابتعاد الجيش الاميركي عن الحدود الايرانية والحفاظ على وحدة العراق مع الحفاظ على نفوذ الشيعة فيه وترتيب حل للقضية الفلسطينية ينصف فيه الطرف الاسلامي.
مطالب قد لا تزعج اوباما، لكن الكثير منها سيزعج نتنياهو دون شك، فهو لا يمانع ابدا في تحييد ايران لكنه يحرص على الا تطول المفاوضات الاميركية- الايرانية كي لا تستغل طهران الوقت لاستكمال مشروعها النووي. خاصة وانه يعرف ان اميركا لن تهاجم ايران عسكريا، بل وستمنعه اسرائيل من فعل ذلك، كما فعلت في عهد اولمرت. كذلك فان زعيم الليكود لا يريد حلا في الاراضي المحتلة الا وفق رؤيته هو ورؤية التحالف الذي تسيطر عليه الاحزاب الدينية الصغيرة.
رؤية قد لاتختلف في جوهرها مع رؤية العمل لكنها تختلف في الاسلوب، ولذلك بادر بيريز الى التعقيب على رسالة اوباما لايران برسالة اشد اغراقا في التاريخ البعيد والقريب، وكن الطرفين: الديمقراطي والعمل، يحاولان استباق الامور لاحراج نتنياهو.
غير ان ذلك لا يجوز ان يعطينا املا كبيرا في تحول الامور لصالحنا في فلسطين او في العراق، لان اوباما اعجز من ان يخوض مواجهة مع اللوبي الإسرائيلي في أميركا، نظرا لحاجته لمال هذا اللوبي وهو في أزمة مالية خانقة. وهذا اللوبي لم يلق سلاحه، وقد رأينا ذلك جليا في قضية تشارل فيلمان الذي رشحه أوباما لمنصب مدير الأمن القومي. ولكنه اضطر للإستقالة تحت ضغط اللوبي الإسرائيلي.
كما ان نتانياهو، الذي سيجد نفسه ممنوعا عن الحرب ضد ايران وسوريا، وعاجز عن الحرب ضد حزب الله، حيث لا تحتمل اسرائيل هزيمة ثالثة، قد يوجه نيرانه صوب غزة من جديد. ومن جهة ثانية قد يتم تحويل عوامل التفجير الى دول عربية متعددة، على خلفيات مذهبية، او على خلفيات تاريخية سياسية، او على خلفيات امنية، كي تستعمل تلك التفجيرات كاوراق ضغط لتحقيق مكاسب ليس العرب فيها الا ادوات. شانهم في ذلك شان كل من قبل الاستقالة من دوره في حركة التاريخ.