تغطية واستثمارا!

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 24-12-2001

اكثر من باحث، وآخرهم نورمن فنلكشتاين يرون ان ثمة تناسبا وتلازما بين ارتفاع منسوب العدوان والاجرام الاسرائيليين ضد الفلسطينيين، وبين ارتفاع صراخ يهود اوروبا واميركا، بكاء ولطما على مأساة الهولوكوست، وادعاء تصاعد موجة اللاسامية. الأول للتغطية على الجريمة، والثاني لاخراس اية اصوات يمكن ان تفضحها او تنتقدها.

آخر تجليات هذه الحالة، النشاط المحموم الذي تقوم به المؤسسات اليهودية حاليا سواء على مستوى التحرك الشعبي او السياسي او الاعلامي في مختلف انحاء اوروبا وخاصة في فرنسا، حيث تحمل الينا وسائل الاعلام كل يوم خبرا جديدا عن الشكوى من »تصاعد موجة اللا سامية بشكل لم يسبق له مثيل«.

وعن تدخل مؤسسات »الطائفة« من مثل الكريف والليكرا وغيرها لدى المسؤولين، مما دعا ليونيل جوسبان الى اصدار تطمين حازم. واذا كان ما من عاقل عربي يفرح »لتنامي اللاسامية« لأن ذلك سيصب ضد مصلحتنا، فان حقيقة الامر انه لا وجود حقيقيا لأي شيء من ذلك. وانما الامر كله يعود الى عوامل واقعية من اهمها، اضافة الى التغطية على الجرائم الاسرائيلية في فلسطين، والتي كشفها الاعلام الفرنسي في بداية الانتفاضة بشكل لم يسبق له مثيل، مما اثر في الرأي العام وفي الموقف الرسمي نفسه. ويذكر الجميع ما قاله جاك شيراك لباراك، عندما نفى هذا الاخير ان يكون الجيش الاسرائيلي هو المعتدي.. قال: »انا ارى ما ارى« يومها علق باراك: »لم نر مسؤولا يبني مواقفه على ما تعرضه شاشات التلفزيون«.

كما يذكر تصريح مدير القناة الثانية بان اكثر من نصف الرسائل التي ترده من المواطنين تؤيد الفلسطينيين. ولا ننسى المظاهرات والبيانات..

كل ذلك اقتضى هجوما مضادا اطلق صفارته شيمون بيريز، وعلينا ان نعترف انه نجح الى حد كبير على مستوى اوروبا كلها، بدليل التراجع المذهل الذي شكله بيان المجموعة الاوروبية الاخير.

ولكن اسرائيل تصعد اكثر فاكثر، وتهيىء لعدوان اوسع واجرام اعمق، مما يحتاج تغطية سيكولوجية مسبقة، وفزاعة تلوح في وجه كل من يمكن ان يعترض في يفضح. اذ ان المطلوب ليس فقط خلق تأييد للتراجع الاوروبي ازاء القضية الفلسطينية، وتثبيت هذا التراجع وتمتينه وقمع محاولات العودة عنه، ومن ثم التهيئة لتفعيله وتنميته، بل ولخطوات جديدة في طريقه، تتزامن مع خطوات جديدة في التصعيد ضد الفلسطينيين بالدرجة الاولى والعرب بالدرجة الثانية: خاصة سوريا ولبنان والعراق.

والوسيلة المثلى لكل ذلك هي احياء مأتم الهولوكوست، والولولة بعودة اللاسامية.

اما لماذا اختيار فرنسا اكثر من سواها لسببين: اولهما تلازم وجود تيار معتدل ازاء القضية الفلسطينية خاصة والصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام (ومن ضمنه الموضوع العراقي) مع وجود لوبي يهودي موال لاسرائيل ومرتبط بها بدون تحفظ.

وثانيهما ظرف المعركة الرئاسية الحالية، حيث يوظف اليهود ثقلهم فيها لانتزاع مواقف وتعهدات من جميع المرشحين، مع كونهم يفضلون دون شك وصول جوسبان المعروف بتأييده لهم وبتأثره بزوجته اليهودية والذي بعد وصوله بوصول لوران فابيوس اليهودي ايضا الى رئاسة الوزراء. خاصة وان اللوبي لم يكن يوما راضيا عن الديغوليين وخلفائهم حتى ولو ان شيراك قد منحهم ما لم يمنحهم اياه اي رئيس آخر في الجمهورية الخامسة، من اعتراف بمسؤولية الدولة عن حكومة فيشي.

في هذا الاطار تأتي الدعوى التي حركتها جمعية الليكرا اليهودية ضد موسوعة »كويد« لانها اوردت فقرة للبروفسور روبرت فوريسون عن اكذوبة افران الغاز. واكذوبة عدد الضحايا اليهود في الحرب العالمية الثانية.

وسواء ربحت الليكرا الدعوى ام خسرتها فإن المقصود هو مجرد اثارتها، كما كتب احد اشهر الكتاب الصحفيين اليهود مرة عن دعوى مشابهة قائلا: يكفي انها تحيي الذاكرة، وتحرك الموضوع.

هنا يبرز سؤالان هامان:

الاول: اين المؤسسات العربية، رسمية وغير رسمية من لعب دور مضاد على الساحات الغربية عامة والفرنسية خاصة، سواء في توعية وتوجيه الرأي العام، ام في التأثير في مسار معركة رئاسية هامة كالمعركة الفرنسية؟

والثاني، مرتبط بالأول، وقائم فيه:

اين الهولوكوستات العربية، واين توظيفها؟ اين الحملات الاعلامية والشعبية والمؤسساتية حول الهولوكوست الفلسطيني؟

لقد اشرت في مقال سابق الى كتاب هام حمل هذا العنوان للزميل علي سعادة (بخطأ مطبعي جاء الاسم علي اسعد)، لعله من الكتب القليلة في مجاله، والوحيد الذي انتبه الى ربط الابادة الفلسطينية بالهولوكوست، فلماذا لا يتم تسويقه، وما شابهه، عربيا، للحفاظ على الذاكرة، وعالميا بعد الترجمة، لفتح عيون الرأي العام الآخر؟

يتاجرون بأكذوبة، ونضع حقائق ابادتنا في صناديق جواتنا…

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون