كلمة الحق التي يراد بها باطل؟ ام حبة المر المكسوة بقشرة السكر؟
ام منطق »اذن« التي تلوي عنق الحقيقة حتى كسر فقراته؟
الخوف من »ترانسفير« قديم جديد، ينتج عما يطلق عليه بخبث »استمرار الاوضاع في الاراضي المحتلة«.
صحيح ان خطة الترانسفير لم تغب يوما عن بنود المخطط الصهيوني، وان مشروع »الوطن البديل« هو الطرح الشاروني الذي لم يوارب او يدار مرة.
وصحيح ان استمرار الضغط العسكري والمعيشي والنفسي على الفلسطينيين في الارض المحتلة، قد يؤدي الى شيء من الهجرة باتجاه الدول المحيطة وخاصة الاردن.
وصحيح ايضا ان اية هجرة جديدة، مهما كان حجمها، هي خطر، وخطر شديد، من الملح درؤه.
ولكن ثمة ما يختفي وراء طرح كل ذلك، ما يدارى، او ما يشوه، او ما يجتزأ.. واخيرا ثمة استنتاج هو منطق »اذن« المقلوب.
فالترانسفير الذي يحلم به الصهاينة، ليس امرا بسيطا وعلى مرمى حجر، لاسباب كثيرة، منها ان الناس تعلموا من عبر سابقة، ومنها ان تشبثهم بارضهم لم يعد من باب الفطرة فقط، ومنها انهم باتوا يشعرون انهم حققوا على الارض مكاسب لم يحققوها يوما لا في المنافي ولا على الطاولات.
واذا كان لا يمكن انكار ان لقدرة العامة على التحمل حدودا، وان الهرب من الأتون امر انساني واقعي، فان السؤال لا يتركز على طرح هذا الافتراض باستباق وصراحة، وانما على الغاية من تضخيمه والتهويل به.
كذلك فان الحديث عن خطر حصوله لا يمكن ـ ان كان مخلصا ـ ان يقتصر على ساحة دون اخرى، اذ قد يشكل ذلك ضغطا اقتصاديا، واجتماعيا على الاردن، لكنه يشكل خطرا وجوديا جوهريا على فلسطين ومستقبلها، وثمة فارق كبير بين عسر الهضم والنزف المميت.
غير ان من شأن كلا الحالتين المرضيتين، ان حصلتا، ان تصيبا الجسد القومي بمزيد من الوهن وانعدام التوازن، وان تجعلا المواجهة بينه وبين المشروع الصهيوني اصعب واخطر.
لذا فان القلق الذي يبديه الكثيرون، كتابا، وسياسيين، وديبلوماسيين، ومواطنين، ازاء هذا الاحتمال، هو اكثر من مشروع ومحق.
لكن، هؤلاء، اذ يتوافقون في قلقهم، ينقسمون عند الوصول الى السؤال البسيط، الصعب: والحل؟ والمطلوب؟
هنا تفترق الاجابة، لتصب في صيغتين متناقضتين، تناقض النوايا الكامنة خلفهما، والتي كمنت وراء المبادرة الى طرح التحليل والسؤال.
صيغة تريد ان تصل الى ان الحل هو وقف الانتفاضة، وذاك ما تصوغه في عبارات ومرادفات لا تبخل بها بلاغة اللغة العربية، وحيلة اللغة الديبلوماسية، اعتياد المسؤولين على الاستخفاف بعقل المتلقي.
وصيغة تقول ببساطة، ان الحل هو في دعم هؤلاء الناس، الذين لا نريدهم ان يتركوا بيوتهم ومدنهم.. دعمهم بكل الوسائل، التي تجعل حياتهم تحت الاحتلال ممكنة.
دعم تتحمل مسؤوليته اولا الدول القادرة على الدعم: كل بما تملك من مال او ثقل ديبلوماسي او نفوذ..
وتتحمل مسؤوليته الشعوب ومؤسساتها على الاقل، كي لا ينهار السد، ويغمرنا كلنا الطوفان.