مرة نسمع كلاما عبثيا عن علاقة محمد عطا بالمخابرات العراقية، ومرة نسمع كلاما عن “لبنانيين” ينوون تنفيذ عمليات ارهابية في الكويت.
ونعود لنترحم على الحجاج الذي شرّع محاكمة الناس على النوايا ان وجدت!
فلو ان خط العراق، يقوم على العمليات الارهابية الانتقامية، لما كان عليه ان ينتظر عقدا كاملا، وموت مليون وربع من ابنائه بفعل ارهاب الدولة العظمى، ام الحريات، ودعم دول »العالم المتحضر«.
ولو ان خط الاحزاب والتنظيمات اللبنانية هو القيام بعمليات ارهابية في الدول العربية، لكانوا قد فعلوا ذلك يوم كان الارهاب الصهيوني يمطرهم موتا وليلا، وكان العرب يستهلون خبر الغارات الاسرائيلية بـ »ردا على قصف حزب الله لشمالي اسرائيل قامت الطائرات الاسرائيلية بالاغارة«.. ثم.. الكويت.. ولماذا الكويت؟ وما هو دور الكويت وحجمها وخطرها؟
بل وما هو مصدر العداء ازاءها، والمتهمون بالارهاب في لبنان هم ابعد ما يكونون عن تأييد العراق، واستهداف الكويت؟
انها ببساطة خيوط شبكة العنكبوت، تنسج حول البلدين العراق ولبنان.
الاول، لان مرحلة الانهاك قد بلغت غايتها، وجاء بعدها دور مرحلة الاجهاز.
والثاني، لان القضاء على حزب الله، هو ثمن، ليس اقله للانتقام من الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب.
وليس ذلك لمجرد حقد موتور على الاول، ورغبة انتقام موتورة ازاء الثاني، فالقرارات السياسية التاريخية والخطط الستراتيجية لا تبنى على مجرد العواطف، مهما كانت تلك العواطف مستشرسة.
الامر هو شيء اخر، شيء يكمن في ما عبرت عنه قوى اللوبي اليهودي المتحمس للعمليات الجارية، بالقول ان توسيع دائرة هذه العمليات سيؤدي الى سحق جميع القوى المتطرفة واعادة عملية السلام الى السياق الاسرائيلي.
والتطرف هنا هو بوضوح الخروج عن السياق الاسرائيلي، اي الخروج عن القبول بالاستسلام كما تفرضه اسرائيل، سواء مباشرة او عبر اميركا.
وبهذا المفهوم يكون العراق تطرفا لانه يرفض – رغم جراحه – التحول الى مستعمرة محمية اميركية، اوروبية، تزحف في خندق السلام الاسرائيلي، ويكون حزب الله تطرفا وتكون سوريا تطرفا وتكون المنظمات الفلسطينية المعارضة تطرفا، للسبب ذاته.
وبصيغة اخرى، لقد حدثت حرب الخليج والحصار لتحييد العراق وتركيعه، وحصل الانسحاب من لبنان لتحييد لبنان وفصله عن المسار السوري، وبالتالي تركيع سوريا ولبنان، وبما ان هؤلاء لم يستجيبوا كما هو مطلوب، فلتكن الحرب على الارهاب، بوابة جديدة يدخل منها الى كل منهم.
كما حصلت اوسلو وما بعدها لانهاء اي »لا« لدى الفلسطينيين، وبما ان الظروف قد اثبتت ان قيادة اوسلو نفسها لا تريد او لا تجرؤ على القبول بكل ما يراد ويفرض، واندلعت الانتفاضة، فلتكن الحرب على الارهاب، العصاة التي تقمع النار التي عجزت اوسلو، والقمع الاسرائيلي عن اخمادها.
والحال هذه، هل نقول ان جميع الابواب قد اغلقت، وان التصدي لهذه الاهداف يعني تأييد الارهاب، وعداء اميركا والعالم؟
ليس من ابواب تغلق في ساحة التاريخ، الا لتجاورها ابواب اخرى قابلة للفتح.
وليس في العالم العربي كله من ايّد الارهاب او ما اصاب اميركا منه.
وليس لشعوب عانت موت ملايين الابرياء، عبر اكثر من قرن، بشكل او بآخر من الارهاب، الا وان تأسى لموت ابرياء اخرين.
ولكن ذلك لا يعني انه ليس بامكان العرب مجتمعين، وبما يشكلونه من قوة سياسية، اقتصادية، ومن موقع ستراتيجي، ومن حاجة ظرفية لهم الان كغطاء تبريري، ان يضعوا خطوطا حمرا لضرب اية دولة عربية، وان يبدأوا ذلك بالتصدي السياسي والاعلامي لكل ترتيب لاتهامات مفبركة الغاية منها تحضير التهمة والاجواء.
فبالامس شهدنا صوتا حقيقيا يصدر من عمان، وعلى لسان وزير خارجيتها، معلنا ما يريد كل عربي سماعه، من رفض ضرب اي بلد عربي، ومتجاوزا ذلك – الى ما اعلنته عشرات الاصوات المهمة في الغرب نفسه – اي الى ربط ادانة الارهاب بشكل عام، وادانة ما حدث في مانهاتن، بالسؤال الجوهري، الاساسي عن سبب تشكل واستشراء هذه الظاهرة.
فهل من الصعب ان يكون صوت بن علوي صوت العرب جميعا؟