انحناءة أمام شمس الدين

صحيفة الدستور، 14-01-2001

نحن القائلون بفصل الدين عن الدولة. نحن المحاربون للطائفية بكل أشكالها الاجتماعية والسياسية.

نحن الذين سحقت عمرهم حرب أهلية، التهمت جيلاً كاملاً بأرواحه وحياته، والتهمت مستقبلاً لا ندري كم سيمتد عمر ضياعه، وتسديده ثمناً لماض قريب مجرم، ولد حاضراً مشوهاً، متخبطاً..

نحن الذين لم نقل بما قلنا به تقليداً لغرب أو شرق… ولم نحارب ما حاربناه الا لوعينا انه ميراث غرب، زرع في روح أمتنا، قنابل موقوتة، من حاول نزعها اصابته، ومن لبى تفجيرها أصابته..

نحن ندرك جيداً، اننا من أمة كان الدين، منذ كانت، عنصراً أساسياً في كيانها، في ثقافتها، وفي توجيه حياتها.

لأسباب كثيرة، ربما يكون منها، اننا شعب لم يستورد في تاريخه ديناً أو رسالة، بل كان له تكليف حملها. أصالة المهد والحقل والبيت والفضاء.

ولانه كذلك، كان للتواصل والاستمرارية، فضل توحيد الناس، وسماء الحرية والتسامح.

وكان لرجل الدين دور رسول هذه الوحدة، المكلف بحماية قيمها وترسيخها، والدفاع عنها. وكان لعلماء الدين المميزين دور المنارة والسد.

هذا في الوضع الصحي، الطبيعي، وكل ما خرج عنه، حالات مرضية ان دبت في جسم نخرته حتى نخاع العظم.

كذلك حال لبنان.. وحال عميانه، الذين ما فتئوا يتأوهون من المرض ويغذونه. يشجعهم ويصفق لهم، الأجنبي الذي جعل من الحمايات الأجنبية سجادة الامتيازات الأجنبية منذ قرن ونصف، وما يزال. والاقطاع المحلي بقديمه وليد الاستعمارات المختلفة، وحديثه وليد نعمة الحرب.

لكن ثمة منارات.. ثمة عقل مجتهد، ووعي كاشف، وروح سامية… ثمة رجال، وما أندرهم، قادة وعلماء، حضنوا الحق، واتقوا الله في الوطن والناس، فانحنى لهم الجميع، وشكل وجودهم ضمانة وهداية، وعداً بغد قادر على لف الظلام بعباءة نوره، وتصحيحاً لمسار الحاضر، بحيث يؤسس لذلك الوعد.

»إمام الحوار والوحدة الوطنية« هكذا لقب البعض أمس سماحة الامام محمد مهدي شمس الدين.

لكنه – رحمه الله – كان أكبر من مجرد الحوار، لانه حقاً امام الوحدة.. وعندما تحدث امامه مرجع ديني لبناني آخر عن »التعايش«، عقب الامام بهدوئه الحازم، ان ليس بين المواطنين في وطن واحد »تعايش« وانما وحدة.

ولأنه أيضاً رجل العقل والاجتهاد، فقد بنى لنا منذ الثانية والعشرين من عمره وحتى وفاته، إرثاً غنياً من اربعين مؤلفاً، قيمتها في مضمونها لا في عددها.. نذكرها كلها، ونقف اليوم بالتحديد امام كتاب: »التطبيع بين ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب«.

نقف لنحني رؤوسنا أمام عالم رحل ولبنان ما يزال بأمس الحاجة اليه.. رحل مبكراً ولم يبلغ السبعين، في حين ما يزال لبنان، والعالم العربي، من جزائره الى محيطه، يبحث عن صيغ مضحكها المر ما يسمى »وفاقاً« أو »مصالحة« أو »حواراً«… وطنياً.. في حين يسمى الوفاق والمصالحة والحوار مع العدو »سلاماً وتطبيعاً«.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون