أية اغنية مجبولة بالدم والطين، بالفرح والدموع، بقصص العشاق وقصص الاسرى، بزهور ربيع الوطن وعطشه الشبقي الى الدم.. »اطلب شباب يا وطن وتمنى«!
جميع الاوطان تطلب الشباب ليبنوا حاضرها ويحلموا بغدها.. لكن لوطننا حاجة اخرى.. ان يستعيدهم، يبتلعهم، يتمثلهم كي يكون.. لا كي يكون حاضرا ومستقبلا فقط بل كي لا يتسرب الماضي نفسه من بين اصابع الذاكرة!!
أي شعب، تتعشق في امسية رمضانية فيه ايقاعات لم تكن يوما الا للفرح والاعياد، بكلمات جديدة تفرخ من تراب الشهداء وعذابات الاسرى وغياب الكروم الضائعة!!
يستدعي المزيج العجيب، الذي لا تخضبه ارحام الشعوب الا في لحظتين: التكون والمخاض، استجابة عجيبة، بضعة لا يملكون لجم قدم الدبكة، وبضعة لا يملكون لجم دموع الحرقة..
اللحن لا يتوقف ليصغي الى المذياع ينقل عن كولن باول: »الآن دقت ساعة الحقيقة!!..« فساعة الحقيقة تدق عكسيا منذ خمسين عاما.. هل يمكن لقلمي – اللغة ان ينجز قدرة قلم – رقم لحساب عدد الثواني في خمسين عاما.. اذن عدد الدقات.. فلماذا لم يسمعها الوزير الاميركي الا عندما اصبح لون الدم يهوديا، ولون الموت فلسطينيا حماسيا؟
بالامس.. بالامس القريب، كانت الدقة الواحدة تعني اشلاء خمسة طلاب فلسطينيين، ولم يسمعها احد.. هل كان هؤلاء الاطفال مجرمي حرب، هل كان ذنبهم في حقائبهم المدرسية التي تتضمن قرآنا وربما انجيلا، لكنها لا تحمل تلمودا، ولا وصية »اذا دخلتم مدينة.. ابسلوا كل نسمة حية فيها..« ذنب اقدامهم الصغيرة انها تسير على ارض انتسبت اليها بفعل الحياة والتاريخ الالفي لا بفعل وعد الهي طوطمي؟ انهم هنا كانوا وها هم.. ولم يأتوا من مكان يفترض انه مكانهم؟
بالامس، والاماسي كانت كل دقة قتل وتهجير ومصادرة ودمار وبؤس فلماذا لم يسمع احد ساعة الحقيقة؟
لذا لم يتوقف الذين كانوا في سهرة منتدى ابن رشد ليسمعوا انذار باول، بل توقفوا عن اللحن ليسمعوا شهادة اسيرة محررة، عن وضع الاسرى والاسيرات.. خاصة الاطفال منهم..
قبل يومين كانت شبكات الانترنت تتناقل رسالة موجهة لماري روبنسون عن وضع الاطفال الاسرى، وقائمة مذهلة بعدد الاطفال الشهداء..
ماري روبنسون كدنا ننساها بعد دوربان، لان منهاتن عتمت على دوربان، وكأن وصمة العنصرية تتوقف على من هو الذي يمارسها، ومن هو موضوعها.
ثمة شعوب لا يليق بها الموت ولا بأس عليها ان تمارسه على الاخرين فرامسفيلد يستغرب ان يطالب احد بالتحقيق في مذبحة قلعة جانجي، وقبله كانت بلاده تضغط على الامم المتحدة لترفض بحث تأثير اليورانيوم المستنفد على اجيال العراق، واما الفلسطينيون فكأن في حياتهم نسبة مئوية عالية مرصودة للموت قبل الحياة.
ويظل للعالم كله ان يعيش تاريخه كله منذ عام 1945 على قصة موت اليهود في الحرب العالمية الثانية ماسحا كل ما بعدها من موت الا موت منهاتن!..
أية امسية رمضانية!
بل أية أماسي تدق ابدا بدايات ليلنا الطويل.. ولا ضجر..!