قد يبدو من باب الخيال العلمي، بالنسبة للبعض ان نتحدث عن يد صهيونية يهودية، وراء الحدث الهائل الذي ضرب الولايات المتحدة.
ربما يد من بين الايدي ولكن..
لكن من يتابع ردات الفعل العالمية، يلحظ ان العنوان الكبير لها هو ترشيح »التحالف المقدس« الامريكي – الصهيوني الاسرائيلي، ومن ضمنه العربي ضد »الارهاب الدولي«.
وما المقصود بالارهاب الدولي بالدرجة الاولى الا الاسلام والعرب، سواء كان الاسلام خارج الولايات المتحدة، ام المسلمين الاميركيين، وسواء كان العرب ايضا داخلها او خارجها، لكن ما من شك ان الفلسطينيين يأتون في مقدمة هذا المشهد.
واذا كان المسؤولون الفلسطينيون والعرب والمسلمون قد وعوا ذلك تماما، فتسارعوا الى ادانة العمليات، فان الدعاية المضادة قد انفجرت في الغرب بسرعة انفجارات نيويرك، لاثارة الكراهية ضد هذا الهدف المستهدف.
في حديث طويل لمندوب الجامعة العربية في باريس، لقناة النيل باللغة الفرنسية، شدد ناصيف حتي على هذا الواقع، ولو انه لم يشر الى اتهام لليهود او لاي كان ـ لانه كرسمي لا يستطيع ذلك طالما لم تسفر التحقيقات عن شيء بعد ـ شدد على موجة الكراهية للعرب والمسلمين التي تتم تغذيتها منذ اللحظة الاولى للحدث، وقال ان اية عمليات انتقامية ستوجه ضد دول او مجموعات اسلامية او عربية، ستحمل رسالتين موجهتين للمواطن الاميركي قبل سواه: الاولى ان الولايات المتحدة قد ردت بسرعة، والثانية نوع من الطمأنة بعد الانهيار المعنوي الحاصل.
واذا كان السفير حتى قد اشار في حديثه الى توجه بدأه الامين العام، عمرو موسى، في التصدي لهذا التوجه المعادي الذي سيجد فينا كبش محرقة، تحتاجه الولايات المتحدة باي شكل من الاشكال الآن، ولن تقصر اللوبيهات اليهودية والصهيونية العالمية واسرائيل في الباسنا ثوبه، على الاقل الى ان تظهر نتائج التحقيقات.
وهنا قد تتضح احدى دلالات تعثر التحقيق، وتأخره، وما اعلن من عدم تعاون بعض الجهات الرسمية الاميركية معه.
وفي هذا السياق، تدلنا تجارب عديدة على ان ظهور نتائج تحقيق مخالفة للجو الذي اشيع قبلها، لا تفيد كثيرا بعد ان يكون ذلك الجو قد حقق المراد منه.
فعلى سبيل المثال: حادث انتهاك مقبرة كاربنترا اليهودية في فرنسا، الذي استغل لاثارة تحرك شعبي ورسمي لم تعرف له فرنسا مثيلا، ادى الى انتزاع مكسبين: التصويت على دخول فرنسا في التحالف الدولي ضد العراق، والتصويت على قانون فابيوس غايسو بحظر المراجعة التاريخية.
وعندما تكشفت الامور بعد ذلك عن نتائج تخالف ما اشيع كانت »الفأس قد وقعت في الرأس« وانتهى الامر، ومثل ذلك حادث تفجير كنيس كوبرنيكس في باريس ايضا، الذي تبين بعد تحقيق الهدف، ان الموساد كان وراءه، وان عميلا مندسا هو الذي اعلن مسؤولية احدى منظمات اقصى اليمين عنه، ولكن، ذلك لم يؤد الى تغيير النتائج السياسية.
عشرات الامثلة على ذلك، ليست خارجها تفجيرات بغداد لدفع يهود العراق الى الهجرة.. وغيرها.
صحيح ان هذه الامثلة صغيرة، ولا تقاس بما حصل امس، لكن لا علاقة للقياس المنطقي بالحجم.
وحتى، اذا كان حجم الكارثة يفترض تضافر اكثر من عنصر في تحققها، عناصر لا يمكن لاحد التنبؤ بها مسبقا، فان ما يبدو واضحا، ولا يحتاج للتنبؤ هو عملية استغلالها سواء كان هذا الاستغلال مبرمجا مسبقا بناء على معرفة مسبقة، او مبرمجا لاحقا وفورا بسرعة لا تقصر اليهودية العالمية عن انجازها.
هذا الاستغلال هو الذي يجب ان تستنفر جميع الجهود الديبلوماسية والاعلامية لتداركه، ليس فقط بالاسراع الى غسل اليدين، ونفي التهمة من موقف المتهم، بل وايضا بهجوم مضاد ينقلنا من موقف الدفاع الاضعف الى موقع الهجوم الاقوى.
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.